للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلت: الثالث والرابع من نمط واحد وهو كالمتقدم وأما السجود الذي لا نعلمه فهو كما ذكره البغوي، وقال البغوي أيضًا في قوله: {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: ٧٤] فإن قيل الحجر لا يفهم فكيف يخشى؟ قيل الله يفهمها ويلهمها فتخشى بإلهامه، قال: ومذهب أهل السنة أن لله علمًا في الجمادات وسائر الحيوانات سوى العقلاء لا يقف عليه غيره، ولها صلاة وتسبيح وخشية، كما قال عزَّ وجلَّ: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} وقال تعالى: {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ}، وقال: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ}، فيجب على المرء الإيمان به ويكل علمه إلى الله تعالى، وذكر الحديث الصحيح عن جابر بن سمرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني لأعرف حجرًا بمكة كان يسلم علي قبل أن أبعث وإني لأعرفه الآن" (١)، وذكر حديث حنين الجذع وطرقه صحاح مشهورة، ورُوي عن السدي، عن أبي عباد بن أبي يزيد، عن علي - رضي الله عنه - قال: كنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة فخرجنا في نواحيها خارجًا من مكة بين الجبال والشجر، فلم يمر بشجرة ولا جبل إلا قال: السلام عليك يا رسول الله (٢)، وقال: قال مجاهد لا ينزل حجر من أعلى إلى أسفل إلا من خشية الله، ويشهد لما قلنا قوله تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [الحشر: ٢١].

قلت: وأما تفسير سجودها وتسبيحها، بنفوذ مشيئة الرب وقدرته فيهما، ودلالتها على الصانع فقط، فالاقتصار على هذا باطل، فإن هذا وصف لازم دائم لها، لا يكون في وقت دون وقت، وهو مثل كونها مخلوقة محتاجة فقيرة إلى الله تعالى؛ وعلى هذا فالمخلوقات كلها لا تزال ساجدة مسبحة؛ وليس المراد هذا فإنه قال تعالى: {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} [ص: ١٨]، وقال: {وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ} [ص: ١٩]، وقال: {قَدْ عَلِمَ


(١) مسلم (٢٢٧٧).
(٢) المستدرك للحاكم (٤٢٣٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>