وغيره بهذا القول؛ فإذا كان السجود في هذه الآية ليس عامًا وهو هناك عام؛ كان السجود المطلق هو سجود الطوع؛ فهذه المذكورات تسجد تطوعًا هي وكثير من الناس، والكثير الذي حق عليه العذاب إنما يسجد كرهًا، وحينئذ فالكثير الذي حق عليه العذاب لم يقل فيه إنه يسجد، ولا نفى عنه كل سجود، بل تخصيص من سواه بالذكر؛ يدل على أنه ليس مثله؛ وحينئذ فإذا لم يسجد طائعًا حصل فائدة التخصيص، وهو مع ذلك يسجد كارهًا فكلا القولين صحيح. وكذلك قال طائفة من المفسرين واللفظ للبغوي قالوا: وكثير حق عليه العذاب بكفرهم وتركهم السجود؛ وهم مع كفرهم تسجد ظلالهم لله تعالى وقال في سورة النحل: {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّدًا لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ (٤٨) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (٤٩) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [النحل: ٤٨: ٥٠].
قال: فلفظ دابة إن لم يتناول بني آدم فالإبل تسجد طوعًا، وإن تناول بني آدم فسجودهم طوعًا وكرهًا، والذين فسروا السجود بالخضوع والانقياد، لهم في سجودها قولان، أحدهما: أنه كونها مصنوعة مخلوقة منقادة لمشيئة الله واختياره كما قالوا في تسبيحها مثل ذلك وأنه شهادتها ودلالتها على الخالق. قال أبو الفرج في قوله:{وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ}[الرعد: ١٥]، الساجدون على ضربين أحدهما: من يعقل فسجوده عبادة والثاني: من لا يعقل فسجوده بيان أثر الصنعة فيه والخضوع الذي يدل على أنه مخلوق هذا قول جماعة من العلماء واحتجوا بالبيت المتقدم: ترى الأكم فيه سجدا للحوافر.
قال: وأما الشمس والقمر والكواكب فألحقها جماعة بمن يعقل قال أبو العالية سجودها حقيقة ما منها غارب إلا خر ساجدًا بين يدي الله عزَّ وجلَّ، ثم لا ينصرف حتى يؤذن له، قال: ويشهد لقول أبي العالية حديث أبي ذر وذكره، قال: وأما النبات والشجر فلا يخلو سجوده من أربعة أشياء: أحدها: أن يكون سجودًا لا نعلمه، وهذا إذا قلنا بردعه فيهما، والثاني: أنه تفيؤ ظلاله، والثالث: بيان الصنعة فيه، والرابع: الانقياد لما سخر له.