للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كما يقال للمشير برأسه نحو الأرض على وجه الخضوع ساجد ومنه قول الشاعر:

وكلتاهما خرت وأسجد رأسها ... كما سجدت نصرانة لم تحنف

وإذا كان كذلك الله سبحانه ذكر في الرعد قوله: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا} [الرعد: ١٥]، فعم في هذه الآية ولم يستثن وقسم السجود إلى طوع وكره وقال في الحج: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} [الحج: ١٨].

وفي هذا الكثير قولان أحدهما: أنه لم يسجد فلهذا حق عليه العذاب كما تقدم عن طاووس، وهو قول الفراء وغيره.

والثاني: أنه سجد وحق عليه العذاب؛ فإنه ليس هو السجود المأمور به. قال أبو الفرج: وفي قوله: {وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ} قولان: أحدهما أنهم الكفار وهم يسجدون وسجودهم سجود ظلهم قاله مقاتل.

والثاني: أنهم لا يسجدون، والمعنى وكثير من الناس أبى السجود ويحق عليه العذاب لتركه السجود هذا قول الفراء.

قلت: هذا قول الأكثرين، وقد ذكر البغوي في قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}، قال: قال مجاهد سجودها تحول ظلالها وقال أبو العالية ما في السماء نجم ولا شمس ولا قمر إلا يقع ساجدًا حين يغيب؛ ثم لا ينصرف حتى يؤذن له فيأخذ ذات اليمين حتى يرجع إلى مطلعه، قال: وقيل سجودها بمعنى الطاعة؛ فإنه ما من جماد إلا وهو مطيع لله، خاشع له مسبح له، كما أخبر الله عزَّ وجلَّ عن السماوات والأرض {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [فصلت: ١١]، وقال في وصف الحجارة {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} [البقرة: ٧٤]، {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإسراء: ٤٤] قال: وهذا مذهب حسن موافق لقول أهل السنة، قلت: قد تقدم قول الطبري

<<  <  ج: ص:  >  >>