وكذلك قوله:{فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ}[الدخان: ٢٩]، بكاء كل شيء بحسبه؟ قد يكون خشية لله؛ وقد يكون حزنا على فراق المؤمن، روى ابن أبي حاتم عن ابن وهب، أخبرني عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، قال: قال عمرو يعني ابن دينار: إني ليلة أطوف بالبيت إذ سمعت حنين رجل بين الأستار والكعبة، وبكاءه وتضرعه فوقفت لأعرفه فذهب ليل وجاء ليل وهو كذلك؟ حتى كاد يسفر فانكشف الستور عنه؛ فإذا هو طاووس - رحمه الله -، فقال: من هذا عمرو؟ قلت: نعم أمتع الله بك، قال: متى وقفت هاهنا؟ قال قلت: منذ طويل، قال: ما أوقفك قلت: سمعت بكاءك، فقال: أعجبك بكائي؟ قلت: نعم، قال: وطلع القمر في حرف أبي قبيس، قال: ورب هذه البنية إن هذا القمر ليبكي من خشية الله، ولا ذنب له، ولا يُسأل عما عمل، ولا يُجازى به فعجبت أن بكيت من خشية الله، وأنا صاحب الذنوب، وهذا القمر يبكي من خشية الله، وقرأ ابن زيد:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ}[الحج: ١٨].
قال: فلم يستثن من هؤلاء أحدًا؛ حتى جاء ابن آدم استثناه فقال:{وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ}[الحج: ١٨]، قال والذي كان هو أحق بالشكر؛ هو أكفرهم ثم قرأ {وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ (٢٧) وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالْأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ} [فاطر: ٢٧: ٢٨]، قال وكذلك اختلفوا في دينهم كما اختلف الأولون، ولفظ السجود يستعمل في اللغة: لخضوع الجامدات وغيرها كالبيت المعروف:
بجيش تضل البلق في حجراته ... ترى الأكم فيه سجدًّا للحوافر
قال ابن قتيبة: حجراته: جوانبه، يريد أن حوافر الخيل قد بلغت الأكم ووطئتها حتى خشعت وانخفضت، قال ابن عطية: في قوله: {يَتَفَيَّأُ ظِلَالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ}[النحل: ٤٨]، وقالت فرقة منهم الطبري عبر عن الخضوع والطاعة وميلان الظلال ودورانها بالسجود