قال علماؤنا: وكان سبب نزول هذه الآيات، أن الله تعالى أراد أن يشرع شرعًا عامًا للمؤمنين، أن الأدعياء ليسوا في حكم الأبناء حقيقة، من جميع الوجوه، وأن أزواجهم، لا جناح على من تبنّاهم، في نكاحهن.
وكان هذا من الأمور المعتادة، التي لا تكاد تزول إلا بحادث كبير، فأراد أن يكون هذا الشرع قولًا من رسوله وفعلًا، وإذا أراد الله أمرًا، جعل له سببًا، وكان زيد بن حارثة يدعى (زيد بن محمد) قد تبناه النبي - صلى الله عليه وسلم -، فصار يدعى إليه حتى نزل:{ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ} فقيل له: (زيد بن حارثة) وكانت تحته، زينب بنت جحش، ابنة عمة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم قدر الله أن يكون بينها وبين زيد، ما اقتضى أن جاء زيد بن حارثة يستأذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فراقها.
قال الله - عز وجل -: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} أي: بالإسلام {وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} بالعتق حين جاءك مشاورًا في فراقها: فقلت له ناصحًا له ومخبرًا بمصلحته: {أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ} أي: لا تفارقها، واصبر على ما جاءك منها، {وَاتَّقِ اللَّهَ} تعالى في أمورك عامة، وفي أمر زوجك خاصة؛ فإن التقوى، تحث على الصبر، وتأمر به، {وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ} والذي أخفاه، أنه لو طلقها زيد، لتزوجها - صلى الله عليه وسلم -. كما أخبره الله - عز وجل - {وَتَخْشَى النَّاسَ} في عدم إبداء ما في نفسك من أمر الله {وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ} وأن لا تباليهم شيئًا، {فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا} أي: طابت نفسه، ورغب عنها، وفارقها، {زَوَّجْنَاكَهَا} وإنما فعلنا ذلك، لفائدة عظيمة، وهي:{لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} حيث رأوك تزوجت، زوج زيد بن حارثة، الذي كان من قبل، ينتسب إليك، ولما كان قوله:{لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ} عامًا في جميع الأحوال، ولما كان من الأحوال، ما لا يجوز