للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا لا يحصل إرغام أنفه إلا بامتثالك أمر الله سبحانه وتعالى تعظيمًا له بمجرد الأمر، من غير حظ للنفس والعقل فيه. (١)

القصد بذبح الذبائح أيام منى، وفي عيد الأضحى في سائر الأمصار هو طاعة الله، وامتثال ما أمر به، وما سنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وشرعه لأمته، وتقوى الله سبحانه وتعالى في هذا كله، لأن ذلك من شعائر الله، وتقوى الله سبحانه وتعالى في هذا كله، لأن ذلك من شعائر الله، فإنها من تقوى القلوب - أي أوامره - فإنها من تقوى القلوب، ومن ذلك تعظيم الهدايا والبدن.

ومن القصد بالذبائح أيام منى إظهار نعمة الله بالتوسعة على فقراء المسلمين، وإحياء سنة الخليل إبراهيم - عليه السلام -، وإذا كان من المعلوم المستقر عند الخلق أن علامة المحبة الصحيحة بذل الروح والمال في مرضاة المحبوب، فالمحبوب الحق - الذي لا تنبغي المحبة إلا له، وكل محبة سوى محبته فالمحبة له باطلة - أولى بأن يشرع لعباده الجهاد الذي هو غاية ما يتقربون به إلى إلههم وربهم.

وكانت قرابين من قبلهم من الأمم ذبائحهم وقرابينهم تقديم أنفسهم للذبح في الله مولاهم الحق، فأي حسن يزيد على حسن هذه العبادة، ولهذا ادخرها الله لأكمل الأنبياء، وأكمل الأمم، عقلًا وتوحيدًا، ومحبة لله.

وأما الضحايا والهدايا فقربان إلى الخالق سبحانه تقوم مقام الفدية عن النفس المستحقة للتلف فدية وعوضًا وقربانًا إلى الله، وتشبها بإمام الحنفاء، وإحياء لسنته، أن فدى الله ولده بالقربان، فجعل ذلك في ذريته باقيًا أبدًا.

وتأمل حكمة الرب تعالى في أمره إبراهيم خليله - صلى الله عليه وسلم - بذبح ولده، لأن الله اتخذه خليلًا، والخلة منزلة تقتضي إفراد الخليل بالمحبة، وأن لا يكون له فيها منازع أصلًا، بل قد تخللت محبته جميع أجزاء القلب والروح، فلم يبق فيها موضع خال من حبه، فضلًا عن أن يكون محلًا لمحبة غيره. (٢)

فلما سأل إبراهيمُ الولدَ وأعطيه، أخذ شعبةً من قلبه، كما يأخذ الولد شعبة من قلب والده، فغار المحبوب على خليله أن يكون في قلبه موضع لغيره، فأمره بذبح الولد ليخرج حبه من قلبه،


(١) مجلة المنار ١٦/ ٦٧٥.
(٢) إقامة الحجة والدليل وإيضاح الحجة والسبيل ١/ ٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>