للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما استلام الحجر الأسود وتقبيله واستلام الركن اليماني من الكعبة المشرفة فهذا عبودية لله وتعظيم لله وخضوع لعظمته فهو روح التعبد. فهذا تعظيم للخالق وتعبد له، وذلك تعظيم للمخلوق وتأله له.

فالفرق بين الأمرين كالفرق بين الدعاء لله الذي هو إخلاص وتوحيد، والدعاء للمخلوق الذي هو شرك وتنديد. (١)

فقد اتفق العلماء على أنه لا يشرع تقبيل شيء من الأحجار واستلامه إلا الحجر الأسود خاصة، وأجمعوا على حرمة الطواف بالقبور وأنه من وسائل الشرك إلا إن كان يقصد بطوافه التقرب والتعبد للمقبور فهو شرك أكبر، وأجمعوا على حرمة الطواف بالمساجد المبنية بعرفة أو منى. (٢)

ولقد انعقد إجماع الأمة على مشروعية تقبيل الحجر الأسود، وعليه فمن يدعي أن ذلك ينافي دعوة الإسلام لنبذ الأوثان فدعواه باطلة فشتان بين من يأتي ذلك طاعة لله ورسوله معتقدًا أن الحجر لا ينفع ولا يضر وبين من يقدس الأوثان التي نهى الله عن الاقتراب منها، فطواف المسلم بالكعبة المشرفة وصلاته إليها إنما هي عبادة لله لا لها.

الرمي: قال أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في بيان أسرار الحج من الإحياء: وأما رمي الجمار فليقصد به الانقياد للأمر إظهارًا للرق والعبودية، وانتهاضًا لمجرد الامتثال، من غير حظ للعقل والنفس في ذلك؛ ثم ليقصد به التشبه بإبراهيم - عليه السلام - حيث عرض له إبليس لعنه الله تعالى في ذلك الموضع ليدخل على حجه شبهة أو يفتنه بمعصية، فأمره الله - عز وجل - أن يرميه بالحجارة طردًا له وقطعًا لأمله، فإن خطر لك أن الشيطان عرض له وشاهده فلذلك رماه وأما أنا فليس يعرض لي الشيطان، فاعلم أن هذا الخاطر من الشيطان، وأنه الذي ألقاه في قلبك ليفتر عزمك في الرمي، ويخيل إليك أنه فعل لا فائدة فيه، وأنه يضاهي اللعب فلم تشتغل به؟

فاطرده عن نفسك بالجد والتشمير في الرمي، فبذلك ترغم أنف الشيطان. واعلم أنك في الظاهر ترمي الحصى إلى العقبة وفي الحقيقة ترمي به وجه الشيطان وتقصم به ظهره،


(١) القول السديد شرح كتاب التوحيد ١/ ١٥.
(٢) الإجماع العقدي ١/ ٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>