وإدراك المبصرات من الألوان والأضواء وتفاصيل أنواع الحس والجمال وغيرها من المبصرات السارة للنفس، وكذلك القول في بقية الحواس.
وإما إدراك الأحوال النفسية كاستشعار النفس حصول الشراب والغذاء عند حاجتها للاغتذاء والإرواء، ونحو ذلك، فهذه هي الملاذ الجسمانية ولذلك حد الفضلاء اللذة بقولهم:"هي إدراك الملائم"، فجمعوا الجميع في هذا الحد الشامل.
وأما أسبابها العادية فهي المباشرة لأنواع المآكل والمشارب والمناكح ونحو ذلك، ثم هذه المباشرة تقترن بها في العادات حاجات للمتناولات وقاذورات تقترن بالمباشرات، فالمسلمون يدعون من هذه الأقسام الثلاثة الأولين فقط دون الثالث، فيثبتون اللذات وأسبابها مجردة عن القاذورات وأنواع الحاجات، فيقولون: الأكل والشرب والنكاح في الجنة من غير ألم جوع ولا عطش ولا بصاق ولا مخاط، ولا دمع ولا بول ولا غائط، ولا ريح منتن ولا حيض ولا مني ولا رطوبات مستقذرة، ولا إبداء عورة منقصة، ولا زوال أبهة معتبرة، ولا شيء مما يعاب بنوع من النقيصة؛ بل يجد المؤمن غاية ما يكون من لذة الأكل بمباشرة أنفس المآكل من غير بصاق ولا تلويث، ولا ألم جوع سابق ولا شيء لاحق، وكذلك يحصل أعظم ما يكون من لذة الشرب عند مباشرة أشرف المشروبات، من غير عطش ولا حاجة سابقة ولا تلويث لاحق ولا شيء يعاب، وكذلك يحصل الجماع بمباشرة أجمل الموطوآت من الحوريات والآدميات، التي كل واحدة منهن لو ظهرت لأهل الأرض لهاموا أجمعين بجمالها وتحيرت عقولهم بكمالها، وبديع حسنها وفائق محاسنها، ورائق تركيبها في جملتها وتفصيلها، مكسوة من الحلي ما أقله خير من ملك الدنيا وما فيها، قد نشأت من السعادة الأبدية، وهيئت للكرامة الإلهية، وأبدعت بمتسع شمول القدرة الربانية، ومع ذلك فقد تناسب خلقها وخلقها وطبعت على الميل من غير نفار، وعلى المحبة من غير ازورار، قد وصلت في محبة المؤمن وتعظيمه والأدب معه وإظهار المسرة به، والتشرف بقربه إلى أفضل الغايات، وتجاوزت في الحسن والإحسان إلى أقصى