للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الجصاص: زعم بعض المتأخرين من غير أهل الفقه أنه لا نسخ في شريعة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأن جميع ما ذكر فيها من النسخ؛ فإنما المراد به نسخ شرائع الأنبياء المتقدمين كالسبت والصلاة إلى المشرق والمغرب؛ قال: لأن نبينا - عليه السلام - آخر الأنبياء، وشريعته ثابتة باقية إلى أن تقوم الساعة.

وقد كان هذا الرجل ذا حظ من البلاغة وكثير من علم اللغة، غير محظوظ من علم الفقه وأصوله، وكان سليم الاعتقاد غير مظنون به غير ظاهر أمره، ولكنه بَعُدَ من التوفيق بإظهار هذه المقالة؛ إذ لم يسبقه إليها أحد، بل قد عقلت الأمة سلفها وخلفها من دين الله وشريعته نسخ كثير من شرائعه، ونقل ذلك إلينا نقلا لا يرتابون به ولا يجيزون فيه التأويل، كما قد عقلت أن في القرآن عاما وخاصا ومحكما ومتشابها، فكان دافع وجود النسخ في القرآن والسنة كدافع خاصة وعامه، ومحكمة ومتشابهه؛ إذ كان ورود الجميع ونقله على وجه واحد، فارتكب هذا الرجل في الآي المنسوخة والناسخة وفي أحكامها أمورا خرج بها عن أقاويل الأمة مع تعسف المعاني واستكراهها، وما أدري ما الذي ألجاه إلى ذلك؟

وأكثر ظني فيه أنه إنما أتى به من قلة علمه بنقل الناقلين لذلك، واستعمال رأيه فيه من غير معرفة منه بما قد قال السلف فيه ونقلته الأمة (١).

قال أبو جعفر النحاس: فمن المتأخرين من قال: ليس في كتاب الله - عز وجل - ناسخ ولا منسوخ وكابر العيان واتبع غير سبيل المؤمنين (٢).

قال ابن كثير: وقال أبو مسلم الأصفهاني المفسر: لم يقع شيء من ذلك في القرآن. وقوله هذا ضعيف مردود مرذول. وقد تعسف في الأجوبة عما وقع من النسخ. (٣)


= مقدمات النسخ د. أسامة عبد العظيم (٧٦: ٧٩)، (شرح الكوكب المنير ٣/ ٥٣٥) (الحاشية).
(١) أحكام القرآن (١/ ٥٩).
(٢) الناسخ والمنسوخ (١/ ٤٠٠).
(٣) تفسير ابن كثير (١/ ١٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>