للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للجنة، والظالم لنفسه هو الواقع في المعاصي والآثام. (١)

والناس يتفاضلون في أعمالهم بتفاضل الإيمان في قلوبهم، فإذا فسد القلب فسد إرادته ففسدت الجوارح كلها، وانبعثت في معاصي الله -عَزَّ وَجَلَّ-، ولم تقنع بالحلال، والمؤمن يزيد إيمانه بالعمل الصالح، ولحصول هذه الزيادة فإنه لابد له من التوكل على الله والاستعانة به فيما لا يقدر عليه، ومن طاعته فيما لا يقدر عليه، فالإيمان ليس مجرد التصديق بل لابد من أعمال قلبية تستلزم أعمال ظاهرة، فحسب ما أمر الله وبنقص ما نهى عنه من أخص الأمور بالإيمان، والعبد حين يقع في الذَّنْب يكون ناقص الإيمان، لذلك قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني وهو مؤمن ... "؛ لأنه لو قام بقلبه خشية الله التي تقهر الشهوة أوجب الله الذي يغلبها لم يزن ولم يعص الله فمن كان مخلصًا الله حق الإخلاص لم يعصِ الله (لم يزن)، إنما يعصي (أو يزني) لخلوه من ذلك.

والإيمان الذي ينزع من السلم حال وقوعه في الذَّنْب لا ينزع منه نفس التصديق ولهذا قيل هو مسلم وليس بمؤمن، فإن المسلم المستحق للثواب لا بد أن يكون مصدقًا، وإلا كان منافقًا ولكن ليس كل من صدق قام بقلبه من الأحوال الإيمانية مثل كمال محبة الله ورسوله وخشيته لله والإخلاص له في الأعمال، بل يكون مصدقًا بما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو واقع في المعصية مثل الزنا والرياء ... إلخ.

ولابد أن يكون مع التصديق شيء من حب الله وخشيته وإلا فالتصديق الذي لا يكون معه شيء من ذلك ليس إيمانًا البتة، وكل عاص لله فهو جاهل وكل خائف منه فهو عالم مطيع لله، وإنما يكون جاهلًا لنقص خوفه من الله إذ لو تم خوفه من الله لم يعصه، فإنه لو كمل إيمانه لوجد حلاوة الإيمان فاستغنى بها عن استحلاء المعصية، فمن عرف الله أحبه ومن أحبه أطاعه، فإن المحبة تقتضي الطاعة فمن ادعى محبة الله ولم يحفظ حدوده فهو كاذب. (٢)


(١) مجموع الفتاوى ٧/ ٢٩.
(٢) فتح الباري لابن رجب ١/ ٤٧ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>