للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول: من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا. (١)

وحين أساء بعض المسلمين معاملة أهل الجزية كان موقف العلماء العارفين صارمًا، فقد مرّ هشام بن حكيم بن حزام على أناس من الأنباط بالشام قد أقيموا في الشمس، فقال: ما شأنهم؟ قالوا: حبسوا في الجزية، فقال هشام: أشهد لسمعت رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يقول: إن اللَّه يعذب الذين يعذبون الناس في الدنيا. قال: وأميرهم يومئذ عمير بن سعد على فلسطين، فدخل عليه، فحدثه، فأمر بهم فخُلوا. (٢)

قال القرطبي معلقًا على هذا الحديث: قال علماؤنا: أما عقوبتهم إذا امتنعوا من أدائها مع التمكين فجائز، فأما مع تبين عجزهم فلا تحل عقوبتهم؛ لأن من عجز عن الجزية سقطت عنه. ولا يكلف الأغنياء أداءها عن الفقراء. (٣)

وقال النووي: (فأمر بهم فخلوا) ضبطوه بالخاء المعجمة والمهملة، والمعجمة أشهر وأحسن. (٤) وأما الأمر بالصغار الوارد في قوله: {وَهُمْ صَاغِرُونَ}، فقد بيناه سابقًا في تفسير الآية وهو معنى لا يمكن أن يتنافى مع ما رأيناه في أقوال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من وجوب البر، والعدل، وحرمة الظلم، والعنت، وهو ما فهمه علماء الإسلام، ففسره الشافعي بأن تجري عليهم أحكام الإسلام، أي العامة منها، فالجزية علامة على خضوع الأمة المغلوبة للخصائص العامة للأمة الغالبة.

وفسره التابعي عكرمة مولى ابن عباس بصورة دفع الجزية للمسلمين، فقال: أن يكونوا قيامًا، والآخذ لها جلوسًا، إذ لما كانت اليد المعطية على العادة هي العالية، طلب منهم أن يشعروا العاطي للجزية بتفضلهم عليه، لا بفضله عليهم.


(١) أخرجه البخاري (٢٩٩٥).
(٢) أخرجه مسلم (٢٦١٣).
(٣) الجامع لأحكام القرآن (٨/ ١١٥).
(٤) شرح مسلم للنووي (٢٦١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>