للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يبعد أن يقال: إن كثرة سابقي الأولين ليس إلا بأنبيائهم في على سابقي هذه الأمة بأس إذ أكثرهم سابقو الأمم بضم الأنبياء عليهم السلام (١).

ب- وإذا كان ثلة من الأولين السابقين المقصود بهم أنهم من القرون الأولى لأمة محمد - صلى الله عليه وسلم - كان قوله: {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ} أي: من القرون المتأخرة من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - أيضًا، فالذين جاءوا في الأزمنة التي حدثت فيها الغير، وتبرجت الدنيا لخطابها، ونسي معها سر البعثة، وحكمة الدعوة فما أقل الماشين على قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه؛ لا جرم أنهم وقتئذ الغرباء لقلتهم (٢).

ورجح ابن كثير هذا القول ودلل على ذلك بقوله: لأن هذه الأمة هي خير الأمم بنص القرآن؛ فيبعد أن يكون المقربون في غيرها أكثر منها اللهم إلا أن يقابل مجموع الأمم بهذه الأمة، والظاهر أن المقربين من هؤلاء أكثر من سائر الأمم والله أعلم (٣).

والدين كما هو محتاج إلى أول الأمة في إبلاغه إلى من بعدهم، كذلك هو محتاج إلى القائمين به في أواخرها، وتثبيت الناس على السنة وروايتها إظهارها والفضل للمتقدم، وكذلك الزرع إليه آكد، فإنه لولاه ما نبت في الأرض ولا تعلق أساسه فيها، ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم -: "لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم إلى قيام الساعة (٤) " (٥).

ثانيًا: قوله تعالى في الحديث عن أصحاب اليمين: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)} (الواقعة ٣٩ - ٤٠) أي: جماعة وأمة من المتقدمين في الإيمان سواء من الأمم السابقة أو من القرن الأول من أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - وممن جاء بعدهم من التابعين بإحسان، والكثرة ظاهرة لوفرة أصحاب اليمين في أواخرهم دون السابقين كما بينا أولًا (٦).


(١) روح المعاني (٢٠/ ٢٠٧).
(٢) تفسير القاسمي (١٦/ ٧، ٨)، وقيل في ذلك أقوال كثيرة هذا أرجحهما إن شاء الله، وانظر ابن كثير (٤/ ٣٧١)، والقرطبي (١٧/ ١٩٣).
(٣) تفسير القرآن العظيم (٤/ ٣٦٣).
(٤) أخرجه مسلم (١٩٢٠، ١٩٢٥).
(٥) تفسير ابن كثير (٤/ ٣٧٣).
(٦) تفسير القاسمي (١٦/ ١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>