للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الشوكني: والمراد بالأولين هم الأمم السابقة من لدن آدم إلى نبينا - صلى الله عليه وسلم - {وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤)} أي: من هذه الأمة وسموا قليلًا بالنسبة إلى من كان قبلهم وهم كثيرون لكثرة الأنبياء فيهم وكثرة من أجابهم. قال الحسن: سابقو من مضى أكثر من سابقينا، قال الزجاج: الذين عاينوا جميع الأنبياء وصدقوا بهم أكثر ممن عاين النبي - صلى الله عليه وسلم -، ولا يخالف هذا ما ثبت في الصحيح من قوله - صلى الله عليه وسلم - "إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة ثم قال: ثلث أهل الجنة ثم قال: "نصف أهل الجنة" لأن قوله: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (١٣) وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ (١٤)} إنما هو تفضيل للسابقين فقط كما سيأتي في ذكر أصحاب اليمين أنهم ثلة من الأولين وثلة من الآخرين، فلا يمتنع أن يكون في أصحاب اليمين من هذه الأمة من هو أكثر من أصحاب اليمين من غيرهم، فيجتمع من قليل سابقي هذه الأمة ومن ثلة أصحاب اليمين منها من يكون نصف أهل الجنة، والمقابلة بين الثلتين في أصحاب اليمين لا تستلزم استواءهما لجواز أن يقال: هذه الثلة أكثر من هذه الثلة كما يقال: هذه الجماعة أكثر من هذه الجماعة، وهذه الفرقة أكثر من هذه الفرقة، وهذه القطعة أكثر من هذه القطعة (١).

وإطلاق قوله: {الْآخِرِينَ} على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنهم آخر الأمم (٢).

قال الآلوسي: وحاصل ذلك غلبة مجموع هذه الأمة كثرة على من سواها كقرية فيها عشرة من العلماء ومائة من العوام وأخرى فيها خمسة من العلماء وألف من العوام فخواص الأولى أكثر من خواص الثانية؛ وعوام الثانية ومجموع أهلها أضعاف أولئك، لا يقال يأبى أكثرية تابعي هؤلاء قوله تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ (٣٩) وَثُلَّةٌ مِنَ الْآخِرِينَ (٤٠)} (الواقعة: ٣٩ - ٤٥) فإنه في حق أصحاب اليمين وهم التابعون، وقد عبر عن كل بالثلة أي: الجماعة الكثيرة، لأنا نقول لأدلة في الآية على أكثر من وصف كل من الفريقين بالكثرة؛ وذلك لا ينافي أكثرية أحدهما فتحصل أن سابقي الأمم السوالف أكثر من سابقي أمتنا، وتابعي أمتنا أكثر من تابعي الأمم، والمراد بالأمم ما يدخل فيه الأنبياء، وحينئذ لا


(١) فتح القدير (٥/ ٢١١).
(٢) جامع البيان في تأويل القرآن (١١/ ٦٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>