للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الطبري: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال: أقل ما ينبغي حضور ذلك من عدد المسلمين: الواحد فصاعدًا؛ وذلك أن اللَّه عمّ بقوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ} والطائفة: قد تقع عند العرب على الواحد فصاعدًا. فإذا كان ذلك كذلك، ولم يكن اللَّه تعالى ذكره وضع دلالة على أن مراده من ذلك خاص من العدد، كان معلومًا أن حضور ما وقع عليه أدنى اسم الطائفة ذلك المحضر مخرج مقيم الحدّ مما أمره اللَّه به بقوله: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} غير أني وإن كان الأمر على ما وصفت، أستحب أن لا يقصر بعدد من يحضر ذلك الموضع عن أربعة أنفس عدد من تقبل شهادته على الزنا؛ لأن ذلك إذا كان كذلك، فلا خلاف بين الجمع أنه قد أدّى المقيم الحدّ ما عليه في ذلك، وهم فيما دون ذلك مختلفون (١).

وأيده الزمخشري حيث قال: وفضل قول ابن عباس، لأنّ الأربعة هي الجماعة التي يثبت بها هذا الحدّ والصحيح أن هذه الكبيرة من أمّهات الكبائر، ولهذا قرنها اللَّه بالشرك وقتل النفس في قوله: {وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا} (الفرقان: ٦٨)، وقال: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا (٣٢)} (الإسراء: ٣٢)، ولذلك وفّى اللَّه فيه عقد المائة بكماله، بخلاف حدّ القذف وشرب الخمر. وشرع فيه القتلة الهولة وهي الرجم، ونهى المؤمنين عن الرأفة على المجلود فيه. وأمر بشهادة الطائفة للتشهير، فوجب أن تكون طائفة يحصل بها التشهير، والواحد والاثنان ليسوا بتلك المثابة، واختصاصه المؤمنين لأن ذلك أفضح، والفاسق بين صلحاء قومه أخجل (٢).


(١) تفسير الطبري ١٩/ ٩٥.
(٢) الكشاف ١/ ٨٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>