من الأول، وفيه تنبيه على تكرر ذلك مرة بعد أخرى، وإن تعاقبت عليه الأزمنة لا يتطرق إليه تغيير بل هو مستمر دائمًا.
السادس: التعجب. كقوله تعالى: {فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (١٩) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (٢٠)} [المدثر: ١٩, ٢٠] فأعيد تعجبًا من تقديره وإصابته الغرض على حد قولهم: قاتله الله ما أشجعه.
السابع: لتعدد المتعلق. كما في قوله تعالى: {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (١٣)} [الرحمن: ١٣]، فإنها وإن تعددت فكل واحد منها متعلق بما قبله، وإن الله تعالى خاطب بها الثقلين من الإنس والجن، وعدد عليهم نعمه التي خلقها لهم، فكلما ذكر فصلًا من فصول النعم طلب إقرارهم واقتضاهم بالشكر عليها، وهي أنواع مختلفة وصور شتى. فإن قيل: فإذا كان المعنى في تكريرها عد النعم واقتضاء الشكر عليها فما معنى قوله: {يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلَا تَنْتَصِرَانِ (٣٥)} [الرحمن: ٣٥] وأي نعمة هنا، وإنما هو وعيد؟ قيل: إن نعم الله فيما أنذر به وحذر من عقوباته على معاصيه ليحذروها، فيرتدعوا عنها نظير أنعمه على ما وعده وبشر من ثوابه على طاعته؛ ليرغبوا فيها ويحرصوا عليها، وإنما تتحقق معرفة الشيء بأن تعتبره بضده والوعد والوعيد وإن تقابلا في ذواتهما، فإنهما متقاربان في موضع النعم بالتوقيت على ملاك الأمر منها. وعليه يحمل قول بعض حكماء الشعراء:
والحادثات وإن أصابك بؤسها ... فهو الذي أنباك كيف نعيمها
وإنما ذكرنا هذا؛ لتعلم الحكمة في كونها زادت على ثلاثة، ولو كان عائدًا لشيء واحد لما زاد على ثلاثة؛ لأن التأكيد لا يقع به أكثر من ثلاثة، فإن قيل: فإذا كان المراد بكلٍ ما قبله، فليس ذلك بإطناب، بل هي ألفاظ أريد بها غير ما أريد بالآخر!
قلت: إن قلنا: العبرة بعموم اللفظ؛ فكل واحد أريد به غير ما أريد بالآخر. وقد تكلف لتوجيه العدّة التي جاءت عليها هذه الآية مكررة، قال الكرماني: جاءت آية واحدة في هذه السورة كررت نيفًا وثلاثين مرة؛ لأن ست عشرة راجعة إلى الجنان لأن لها ثمانية أبواب، وأربعة عشر منها راجعة إلى النعم والنقم، فأعظم النقم جهنم ولها سبعة