للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عكس كل ما هو متوقع، فتقسوا قلوبهم؛ بل تفوق الحجارة في القسوة كما قال تعالى: {ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} [البقرة: ٧٤].

يعلمون أن سليمان نبي من عند الله، ومع ذلك يتبعون ما قالته الشياطين فيرمونه عليه السلام بالسحر وأنه ليس بنبي، أليس قد وقع منهم الميل عن كل خلق واعتقاد إلى طرف التفريط أي أعرضوا عن شرع الله وما أمروا به.

والضالون هم المائلون إلى طرف الإفراط ومنهم النصارى، والإفراط هو مجاوزة حد الاعتدال. ويقال أيضًا الذين تركوا الحق على جهل وضلال، فهذا حال النصارى أفرطوا وقالوا: {الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ} [التوبة: ٣٠]، {إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ} [المائدة: ٧٣].

فلا حال يجلي الضلال من حال قوم عبدوا بشرًا، خرج من مخرج الطمث، واستضعفه خلقه حتى صلبوه، وحواه التراب الذي يزعمون أنه خلقه.

وكلام ابن القيم يذكر بعضًا من ضلالهم فيقول:

"المثلثة" أمة الضلال وعباد الصليب، الذين سبوا الله الخالق مسبة ما سبه إياها أحد من البشر، ولم يقروا بأنه الواحد الأحد الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفؤا أحد، ولم يجعلوه أكبر من كل شيء؛ بل قالوا فيه ما {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} فقل ما شئت في طائفة أصل عقيدتها: أن الله ثالث ثلاثة، وأن مريم صاحبته وأن المسيح ابنه، وأنه نزل عن كرسي عظمته والتحم ببطن الصاحبة، وجرى له ما جرى إلى أن قتل ومات ودفن، فدينها عبادة الصلبان، ودعاء الصور المنقوشة بالأحمر والأصفر في الحيطان، يقولون في دعائهم: يا والدة الإله ارزقينا، واغفري لنا وارحمينا، فدينهم شرب الخمور وأكل الخنزير، وترك الختان، والتعبد بالنجاسات، واستباحة كل خبيث من الفيل إلى البعوضة، والحلال ما حلله القس والحرام ما حرمه، والدين ما شرعه، وهو الذي يغفر لهم الذنوب، وينجيهم من عذاب السعير (١).


(١) هداية الحيارى (صـ ٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>