للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا علم أن إجماع المسلمين على براءة عائشة من هذه التهمة، وأنها لم تتمالك نفسها من كثرة البكاء عند علمها بهذا الأمر. فينبغي الجواب علي قوله - لبلغت حد الانتحار:

وهذا مبني على جهله بحال من يتكلم عنهم، وذلك أن الانتحار الذي يتحدث عنه يوجد في مجتمعه هو لا في مجتمع عاش فيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وليس الكلام في هذا الآن. وإنما الكلام في أعلى منها وأحسن. وهي أنهم كانوا إذا وقع أحدهم في الذنب سرًّا وخفية أتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - واعترف لكي يطهره بالحد قبل أن يلقي الله تعالي. وإليك بعض هذه الصور:

١ - عن عبد الله بن مسعود قال: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنِّي عَالَجْتُ امْرَأَةً فِي أَقْصَى المَدِينَةِ وَإِنِّي أَصَبْتُ مِنْهَا مَا دُونَ أَنْ أَمَسَّهَا. فَأَنَا هَذَا فَاقْضِ فِيَّ مَا شِئْتَ .. ) (١).

فانظر كيف ستره الله حالة الفعل لكن ضميره لم يسمح له حتى جاء يطلب أن يعاقب على فعله بين يدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يفكر في الانتحار كما زعم هذا.

٢ - وعن أنس وأبي أمامة - رضي الله عنه -: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ - صلى الله عليه وسلم - فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، أَصَبْتُ حَدًّا فَأَقِمْهُ عَلَيَّ ... ) (٢)

وهكذا كانت الروح الإيمانية في مجتمع الصحابة بحيث لو وقع أحدهم في معصية سارع إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معترفًا بذلك بين يديه ولم يفكر أحد منهم في الانتحار؛ لأن الانتحار ذنب فوق ذنب. فكلام هذا الكاتب في حق الزوجات الطاهرات اتهام مبني علي وهم توهمه - وحسبنا الله ونعم الوكيل -، وذلك لأنهم كانوا يفقهون حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي رواه ثابت بن الضحاك أنه قال: "وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ فِي الدُّنْيَا عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ" (٣). وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث الرجل الذي قتل نفسه: "بَادَرَنِي عَبْدِي بِنَفْسِهِ حَرَّمْتُ عَلَيْهِ الجنّةَ". (٤)


(١) مسلم (٢٧٦٣).
(٢) مسلم (٢٧٦٤).
(٣) البخاري (٥٤٤٢)، ومسلم (١٠٩).
(٤) البخاري (٣٢٧٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>