للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن كثير: وقوله: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ}: قد كان هذا في زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، كما ثبت ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة. وقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه قال: خمس قد مضين: الروم، والدخان، واللزام، والبطشة، والقمر (١).

وهذا أمر متفق عليه بين العلماء - أي انشقاق القمر - قد وقع في زمان النبي - صلى الله عليه وسلم - وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات (٢).

قال ابن الجوزي: وعلى هذا جميع المفسرين - أي انشقاق القمر -، إلّا أن قومًا شذُّوا فقالوا: سيَنْشَقُّ يوم القيامة. وقد روى عثمان بن عطاء عن أبيه نحو ذلك، وهذا القول الشاذ لا يقاوم الإجماع، ولأن قوله: {وَانْشَقَّ} لفظ ماض، وحَمْلُ لفظ الماضي على المستقبل يفتقر إلى قرينة تنقله ودليل، وليس ذلك موجودًا. وفي قوله: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا} دليل على أنه قد كان ذلك. (٣)

قال الشوكاني: {وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} أي: وقد انشقّ القمر، وكذا قرأ حذيفة بزيادة {قد}، والمراد الانشقاق الواقع في أيام النبوّة معجزة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإلى هذا ذهب الجمهور من السلف والخلف. قال الواحدى: وجماعة المفسرين على هذا إلّا ما روى عثمان بن عطاء عن أبيه أنه قال: المعنى: سينشقّ القمر، والعلماء كلهم على خلافه. قال: وإنما ذكر اقتراب الساعة مع انشقاق القمر؛ لأن انشقاقه من علامات نبوّة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ونبوّته وزمانه من أشراط اقتراب الساعة. . . . ثم قال - أي الشوكاني - قال الزجاج: زعم قوم عندوا عن القصد وما عليه أهل العلم أن تأويله (أن القمر ينشق يوم القيامة)، والأمر بين في الغلط وإجماع أهل العلم على قوله: {وَإِنْ يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُسْتَمِرٌّ} يدل على أن هذا كان في الدنيا لا في القيامة، ولم يأت من خالف الجمهور وقال إن الانشقاق سيكون يوم القيامة إلا بمجرد استبعاد فقال: لأنه لو انشق في زمن النبوة لم يبق أحد إلا رآه لأنه آية والناس في الآيات سواء.


(١) أخرجه البخاري (٤٨٢٥).
(٢) تفسير ابن كثير (٤/ ٣٣٣).
(٣) زاد المسير لابن الجوزى (٨/ ٨٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>