ويجاب عنه: بأنه لا يلزم أن يراه كل أحد لا عقلًا ولا شرعًا ولا عادة، ومع هذا فقد نقل إلينا بطريق التواتر وهذا بمجرده يدفع الاستبعاد ويضرب به في وجه قائله.
والحاصل: أنا إذا نظرنا إلى كتاب الله فقد أخبرنا بأنه انشق ولم يخبرنا بأنه سينشق وإن نظرنا إلى سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد ثبت في الصحيح وغيره من طرق متواترة أنه قد كان ذلك في أيام النبوة، وإن نظرنا إلى أقوال أهل العلم فقد اتفقوا على هذا ولا يلتفت إلى شذوذ من شذ واستبعاد من استبعد. (١)
أما عن ادعائهم التعارض في روايتي ابن مسعود - رضي الله عنه - بقوله انشق القمر ونحن بمنى والأخرى قال فيها بمكة، أو مع غيرها من الروايات الأخرى وباقى الصحابة لم يعاصروا هذه المعجزة! أما عن الأولى فأجاب ابن حجر عن ذلك قائلًا: والجمع بين قول ابن مسعود (تارة بمنى وتارة بمكة) إما باعتبار التعدد إن ثبت، وإما بالحمل على أنه كان بمنى، ومن قال: كان بمكة لا ينافيه؛ لأن من كان بمنى كان بمكة من غير عكس، ويؤيده أن الرواية التي فيها بمنى قال فيها:(ونحن بمنى)، والرواية التي فيها بمكة لم يقل فيها (ونحن)، وإنما قال:(انشق القمر بمكة) يعني أن الإنشقاق كان وهم بمكة قبل أن يهاجروا إلى المدينة، وبهذا تندفع دعوى الداوودي أن بين الخبرين تضادا، والله أعلم.
وقال: وقد وقع عند ابن مردويه بيان المراد فأخرجه من وجه آخر عن ابن مسعود قال: انشق القمر على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن بمكة قبل أن نصير إلى المدينة فوضح أن مراده بذكر مكة الإشارة إلى أن ذلك وقع قبل الهجرة، ويجوز أن ذلك وقع وهم ليلتئذ بمنى.
ورواية (رأيت القمر على الجبل وقد انشق، فأبصرت الجبل بين فرجتي القمر) ورواية (فأراهم القمر شقتين حتى رأوا حراء بينهما)، لا تعارض بينهما البتة، وكذا رواية (انشق القمر فرقتين، فرقة فوق الجبل، وفرقة دونه) فإنها قريبة من معناهما.
فلم يبق إلا ما ظاهره التعارض بين هاتين الروايتين (رأيت القمر منشقًا شقتين؛ شقة على أبي قبيس، وشقة على السويداء)، ورواية (فانشق القمر نصفين؛ نصفًا على الصفا، ونصفًا على المروة، وهذا ليس فيه إشكال؛ فإن نظر الإنسان يختلف بحسب الزاوية التي