للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ينظر منها، فمرة يرى القمر فوق أبي قبيس، ثم إذا تحرك رآه على الصفا وهكذا، أو هو بحسب اختلاف جهة الناظرين، فبعضهم يراه من زاوية والآخرين من زواية أخرى.

وقال ابن حجر: (رَأَيْت الْقَمَر مُنْشَقًّا شقَّتَيْنِ): شقَّة عَلَى أَبِي قُبَيْس، وَشُقَّة عَلَى السُّوَيْدَاء - وَالسُّوَيْدَاء بِالْمُهْمَلَةِ وَالتَّصْغِير نَاحِيَة خَارِجَة مَكَّة عِنْدهَا جَبَل -، وَقَوْل اِبْن مَسْعُود: عَلَى أَبِي قُبَيْس. يَحْتَمِل أَنْ يَكُون رَآهُ كَذَلِكَ وَهُوَ بِمِنًى، كَأَنْ يَكُون عَلَى مَكَان مُرْتَفِع بِحَيْثُ رَأَى طَرَف جَبَل أَبِي قُبَيْس، ويَحْتَمِل أَنْ يَكُون الْقَمَر اِسْتَمَرَّ مُنْشَقًّا حَتَّى رَجَعَ اِبْن مَسْعُود مِنْ مِنًى إِلَى مَكَّة، فَرَآهُ كَذَلِكَ وَفِيهِ بُعْد، وَالَّذِي يَقْتَضِيه غَالِب الرِّوَايَات أَنَّ الِانْشِقَاق كَانَ قُرْب غُرُوبه، وَيُؤَيِّد ذَلِكَ إِسْنَادهمْ الرُّؤْيَة إِلَى جِهَة الْجَبَل، وَيَحْتَمِل أَنْ يَكُون الِانْشِقَاق وَقَعَ أَوَّل طُلُوعه؛ فَإِنَّ فِي بَعْض الرِّوَايَات أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لَيْلَة الْبَدْر، أَوْ التَّعْبِير بِأَبِي قُبَيْس مِنْ تَغْيِير بَعْض الرُّوَاة؛ لِأَنَّ الْغَرَض ثُبُوت رُؤْيَته مُنْشَقًّا، إِحْدَى الشِّقَتَيْنِ عَلَى جَبَل، وَالْأُخْرَى عَلَى جَبَل آخَر، وَلَا يُغَايِر ذَلِكَ قَوْل الرَّاوِي الْآخَر: رَأَيْت الْجَبَل بَيْنهمَا. أَيْ بَيْن الْفِرْقَتَيْنِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا ذَهَبَتْ فِرْقَة عَنْ يَمِين الْجَبَل، وَفِرْقَة عَنْ يَسَاره مِثْلًا صَدَقَ أَنَّهُ بَيْنهمَا، وَأَيّ جَبَل آخَر كَانَ مِنْ جِهَة يَمِينه أَوْ يَسَاره صَدَقَ أَنَّهَا عَلَيْهِ أَيْضًا. (١)

ولو سلمنا التعارض التام بين هاتين اللفظتين من كل جهة، فهذا لا يضر في أصل الحديث، وأقصى ما فيه أن ابن مسعود - رضي الله عنه -، أو أحد الرواة عنه كان يهم في اسم الجبلين، فتارة يقول: (شقة على أبي قبيس وشقة على السويداء)، وتارة (فانشق القمر نصفين، نصفًا على الصفا، ونصفًا المروة)، وأما أصل الحديث وهو الشاهد منه، أن القمر انشق فليس فيها أي اضطراب أو نسيان أو وهم. (٢)

أما عن قولهم إن باقي الصحابة لم يعاصروا وقوع هذه المعجزة وهذه من المراسيل.

قال ابن الصلاح: ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل ما يسمى في أصول الفقه مرسل الصحابي، مثل ما يرويه ابن عباس وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله - ولم


(١) فتح الباري لابن حجر (٧/ ١٨٤، ١٨٥).
(٢) الطعن في القرآن الكريم والرد على الطاعنين في القرن الرابع عشر الهجري لعبد المحسن المطيري (١٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>