للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودعاهم أن يعارضوه ويأتوا بمثله، وليستعينوا بمن شاءوا؛ فعجزوا عن ذلك كما قال تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا (٨٨)} [الإسراء: ٨٨] وكما قال الله تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ (٣٣) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ (٣٤)} [الطور: ٣٣، ٣٤].

ثم تقاصر معهم إلى عشر سور منه فقال في (سورة هود): {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٣)}.

ثم تنازل إلى سورة فقال: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٣٨)} [يونس: ٣٨]، وكذلك في سورة البقرة وهى مدنية أعاد التحدي بسورة منه، وأخبر تعالى أنهم لا يستطيعون ذلك أبدًا لا في الحال ولا في المآل فقال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٢٣) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (٢٤)} [البقرة: ٢٣، ٢٤]. وهكذا وقع، فإنه من لدن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإلى زماننا هذا لم يستطع أحد أن يأتي بنظيره ولا نظير سورة منه، وهذا لا سبيل إليه أبدًا؛ فإنه كلام رب العالمين الذي لا يشبهه شيء من خلقه لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، فأنى يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق؟ .

وقد انطوى كتاب الله العزيز على وجوه كثيرة من وجوه الإعجاز: ذلك أن القرآن الكريم معجز في بنائه التعبيري، وتنسيقه الفني باستقامته على خصائص واحدة في مستوى واحد لا يختلف، ولا يتفاوت ولا تختلف خصائصه، معجز في بنائه الفكري وتناسق أجزائه وتكاملها، فلا فلتة فيه ولا مصادفة، كل توجيهاته وتشريعاته تتناسب وتتكامل وتحيط بالحياة البشرية دون أن تصطدم بالفطرة الإنسانية، معجز في يسر مداخله إلى القلوب والنفوس، ولمس مفاتيحها وفتح مغاليقها، واستجاشة مواضع التأثر والاستجابة فيها.

<<  <  ج: ص:  >  >>