للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تصح المحبة بدون فعل ما يحبه المحبوب وكراهة ما يكرهه المحبوب. وسئل بعض العارفين عن المحبة، فقال: الموافقة في جميع الأحوال. وأنشد:

ولو قلتَ لي: مُتْ مُتُّ سمعًا وطاع ... وقلتُ لداعي الموت: أهلًا ومرحبا

وأنشد بعضهم:

تعصى الإلهَ وتزعُمُ حبَّه ... هذا لعمري في القياسِ شنيعُ

لو كان حبُّك صادقًا لأطعته ... إن المحبَّ لمن يحبُّ مُطيعُ

ومتى أخل العبد ببعض الواجبات، أو ارتكب بعض المحرمات فمحبته لربه غير تامة، فالواجب عليه المبادرة بالتوبة، والاجتهاد في تكميل المحبة المفضية لفعل الواجبات كلها واجتناب المحرمات كلها، وهذا معنى قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن". فإن الإيمان الكامل يقتضي محبة ما يحبه الله، وكراهة ما يكرهه الله عز وجل والعمل بمقتضى ذلك، فلا يرتكب أحد شيئًا من المحرمات أو يخل بشيء من الواجبات إلا لتقديم هوى النفس المقتضي لارتكاب ذلك على محبة الله تعالى المقتضية لخلافه.

الدرجة الثانية من المحبة: درجة المقربين، وهي أن يمتلئ القلب بمحبة الله تعالى حتى توجب له محبة النوافل، والاجتهاد فيها، وكراهة المكروهات، والانكفاف عنها، والرضا بالأقضية والأقدار المؤلمة للنفوس لصدورها عن المحبوب، كما قال عامر بن قيس: أحببت الله حبًا هوّن عليَّ كل مصيبة، ورضَّاني بكل بلية، فلا أبالي مع حبي إياه على ما أصبحت عليه ولا على ما أمسيت. وقال عمر بن عبد العزيز لما مات ولده الصالح: إن الله أحب قبضه، وإني أعوذ بالله أن يكون لي محبة في شيء من الأمور يخالف محبة الله. وكان يقول: إذا أصبحت فمالي سرور إلا في مواقع القضاء والقدر.

يا من يعز علينا أن نفارقهم ... وِجدَانُنا كلَّ شيءٍ بعدَكم عدمُ

<<  <  ج: ص:  >  >>