للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصحَّ عنه أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "إِنَّ الْجَنَّةَ لَا يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَة" (١)، وهذا المقلد ليس بمسلم، وهو عاقل مكلف، والعاقل المكلف لا يخرج عن الإسلام أو الكفر، والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا، فليس بمسلم، وإن لم يكن كافرًا معاندًا، فهو كافر جاهل، فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفارًا؛ فإن الكافر من جحد توحيد الله، وكذَّب رسوله، إما عنادًا أو جهلًا، وتقليدًا لأهل العناد، فهذا وإن كان غايته أنه غير معاند، فهو متبع لأهل العناد، وقد أخبر الله تعالى في القرآن في غير موضع بعذاب المقلدين لأسلافهم فهم من الكفار، وإن الأتباع مع متبوعيهم، وأنهم يتحاجون في النار وأن الأتباع يقولون: {رَبَّنَا هَؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لَا تَعْلَمُونَ (٣٨)} (الأعراف ٣٨).

وقال الله تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ (٤٧) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ (٤٨)} (غافر: ٤٧، ٤٨)، فهذا إخبار من الله وتحذير بأن المتبوعين والتابعين اشتركوا في العذاب، ولم يغنِ عنهم تقليدهم شيئًا.

وفرق بين مقلد تمكن من العلم، ومعرفة الحق فأعرض عنه، ومقلد لم يتمكن من ذلك بوجه والقسمان واقعان في الوجود.

فالمتمكن المعرض مفرط تارك للواجب، لا عذر له عند الله، وأما العاجز عن السؤال والعلم الذي لا يتمكن من العلم بوجه فهم قسمان أيضًا:

أحدهما: مريد للهدى مؤْثِر له، محب له، غير قادر عليه، ولا على طلبه لعدم من يرشده، فهذا حكمه حكم أرباب الفترات، ومن لم تبلغه الدعوة.

الثاني: معرض لا رغبة له في الحق، ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه.


(١) البخاري (٦١٦٣)، مسلم (١١١).

<<  <  ج: ص:  >  >>