للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وليس ذلك بعيدًا عن قدرة الله تعالى، وهلم جرا، ولا يخفى على كل أحد أن دين الله تعالى مبني على الاتباع لا على الابتداع والاختراع.

وهو - صلى الله عليه وسلم - لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا، فضلًا عن أن يملك لغيره، قال تعالى: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (١٨٨)} (الأعراف: ١٨٨).

وفي حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - المشهور لما نزلت: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (٢١٤)} جمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قريشًا فَعَمَّ وَخَصّ إلى أن قال: "يَا فَاطِمَةُ، أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنْ النَّارِ، فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنْ الله شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا" (١).

وأمرُ الإيمان منحة من الله، والهداية ملك لله تعالى، لا يملك النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يهبها لأحد أو يمنعها عن أحد، ولو كان - صلى الله عليه وسلم - يملك شيئًا من ذلك لجعل عمه أبا طالب يؤمن، وقد قال الله تعالى له: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} (القصص: ٥٦).

الله أكبر، أين السيوطي ومن معه من هذه الآية؟ فمهما أحبَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يؤمن والداه فهل ذلك ممكن بمجرد إرادته له؟ الجواب في الآية.

وهل أمر الإيمان والهداية ودخول الجنان بالقرابة؟ اللهم لا، ولو كان ذلك لآمن قرابته كلهم، بل لقد أُنزِل في بعض قرابته سورة خاصة هي سورة المسد في أبي لهب وهو عمه. ولهذا فلا محاباة ولا نسب في دين الله عز وجل بل هو الحق والإيمان والتقوى.

وذهب بعضهم إلى قول آخر وهو الوقف.

قال الشيخ تاج الدين الفكهاني في كتابه الفجر المنير: الله أعلم بحال أبويه - صلى الله عليه وسلم -.

نقول: هل يجوز التوقف أو الوقف في شيء أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم - وصح عنه؟ وما معنى الإيمان به إذن؟ هل يجوز الوقف في وجود الجنة والنار، وفي العرش، والصراط، والمهدي، ونزول عيسى ابن مريم عليه السلام، وعذاب القبر، وغير ذلك مما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ .


(١) مسلم (٢٠٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>