للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان مفتعلًا مختلقًا، كما يقوله من يقوله من جهلة المشركين والمنافقين في بواطنهم {لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} أي: اضطرابًا وتضادًّا كثيرًا، أي: وهذا سالم من الاختلاف، فهو من عند الله كما قال تعالى مخبرًا عن الراسخين في العلم، حيث قالوا: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} [آل عمران: ٧] أي: محكمه ومتشابهه حق؛ فلهذا ردوا المتشابه إلى المحكم فاهتدوا، والذين في قلوبهم زيغ ردوا المحكم إلى المتشابه فغووا؛ ولهذا مدح تعالى الراسخين وذم الزائغين. (١)

عن أَبي عِمْرَانَ الجَوْنِيّ قَالَ: كَتَبَ إِلَيَّ عَبْدُ الله بْنُ رَبَاحٍ الْأَنْصَارِيُّ أَنَّ عَبْدَ الله بْنَ عَمْرٍو قَالَ: هَجَّرْتُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - يَوْمًا قَالَ: فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا فِي آيَةٍ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يُعْرَفُ فِي وَجْهِهِ الْغَضَبُ، فَقَالَ: "إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ فِي الْكِتَابِ". (٢)

وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ: لَقَدْ جَلَسْتُ أَنَا وَأَخِي مَجْلِسًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرُ النَّعَمِ، أَقْبَلْتُ أَنَا وَأَخِي وَإِذَا مَشْيَخَةٌ مِنْ صَحَابَةِ رَسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - جُلُوسٌ عِنْدَ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ، فَكَرِهْنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ، فَجَلَسْنَا حَجْرَةً، إِذْ ذَكَرُوا آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ فَتَمَارَوْا فِيهَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ، فَخَرَجَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - مُغْضَبًا قَدْ احْمَرَّ وَجْهُهُ يَرْمِيهِمْ بِالتُّرَابِ وَيَقُولُ: "مَهْلًا يَا قَوْمِ بِهَذَا أُهْلِكَتْ الْأُمَمُ مِنْ قَبْلِكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ، وَضَرْبِهِمْ الْكُتُبَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ، إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا، بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالمِهِ". (٣)

ودلت هذه الآية، وقوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} على وجوب التدبر للقرآن؛ ليعرف معناه. والمعنى: أنهم لو تدبروه حق تدبره لوجدوه مؤتلفًا غير مختلف، صحيح المعاني، قوي المباني، بالغًا في البلاغة إلى أعلى درجاتها {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ


(١) تفسير ابن كثير (٤/ ١٧٢).
(٢) مسلم (٢٦٦٦).
(٣) رواه أحمد (٦٧٠٢)، وعبد الرزاق (٢٠٣٦٧)، والبغوي في شرح السنة (١٢١)، والبيهقي في الشعب (٢٢٥٨)، والبخاري في خلق أفعال العباد (١٦٥)، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح (٢٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>