للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنها؛ فإنها عندئذ تحلف باللَّه أربع مرات إنه كاذب عليها فيما رماها به، وتحلف يمينًا خامسة بأن غضب اللَّه عليها إن كان صادقًا وهي كاذبة؛ بذلك يدرأ عنها الحد، وتبين من زوجها بالملاعنة، ولا ينسب ولدها إن كانت حاملًا إليه بل إليها، ولا يقذف الولد ومن يقذفه يحد، وقد عقب على هذا التخفيف والتيسير، ومراعاة الأحوال والظروف بقوله: {وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ (١٠)}. ولم يبين ما الذي كان يكون لولا فضل اللَّه ورحمته بمثل هذه التيسيرات وبالتوبة بعد مفارقة الذنوب لم يبينه ليتركه مجملًا مرهوبًا يتقيه المتقون، والنص يوحي بأنه شر عظيم. (١)

وَلَوْلَا تَفَضُّلُ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَوْلَا رَحْمَتُهُ بِكُمْ يَا أَيُّها المُؤْمِنُونَ فِي قَبُولَ تَوْبَتِكُم فِي كُلِّ آنٍ، وَأَنَّهُ حَكِيمٌ فِي شَرْعِهِ، وَفِعْلِهِ، وَحُكْمِهِ، وَمِنْهَا مَا شَرَعَهُ لَكُمْ مِنَ اللِّعَانِ، لَفَضَحَكُمْ، وَلَعَاجَلَكُمْ بالعُقُوبَةِ، وَلَكِنَّهُ سَتَرَ عَلَيْكُمْ، وَدَفَعَ عَنْكُم الْحَدَّ باللِّعَانِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَشْرَعْ ذَلِكَ لَوَجَبَ عَلَى الزَّوْجِ حَدُّ القَذْفِ، مَعَ أَنَّ قَرَائِنَ الأَحْوَالِ تَدُلُّ عَلَى صِدْقِهِ؛ لأَنَّهُ لَا يَفْتَرِي عَلَى زَوْجَتِهِ، لأَنَّهُمَا مُشْتَرِكانِ فِي الفَضِيحَةِ.

وَلَوْ جَعَلَ شَهَادَةَ الرَّجُلِ مُوجِبَةً لِحَدِّ الزنا وَحْدَهَا لَكَثُرَ افْتِراءُ الأَزْوَاجِ عَلى زَوْجَاتِهِمْ لِضَغِينَةٍ قَدْ تَكُونُ فِي أَنْفُسِهِمْ، وَمِنْ ثَمَّ جَعَلَ شَهَادَاتِ كُلِّ مِنْ الزَّوْجَيْنِ مَعَ الجَزْمِ بِكَذِبِ الآخَرِ تَدْرَأَ عَنْهُ العُقُوبَةَ الدُّنْيَويَّةَ (٢).

ومن جملته أنه تعالى لو لم يشرع لهم ذلك (اللعان) لوجب على الزوج حد القذف مع أن الظاهر صدقه لأنه أعرف بحال زوجته، وأنه لا يفترى عليها لاشتراكهما في الفضاحة، وبعد ما شرع لهم لو جعل شهاداته موجبة لحد الزنا عليها لفات النظر إليها، ولو جعل شهاداتها موجبة لحد القذف عليه لفات النظر له، ولا ريب في خروج الكل عن سنن الحكمة والفضل والرحمة، فجعل شهادات كل منهما مع الجزم بكذب أحدهما حتمًا دارئة لما


(١) في ظلال القرآن (٥/ ٢٥٤).
(٢) أيسر التفاسير لأسعد حومد (١/ ٢٦٨١).

<<  <  ج: ص:  >  >>