للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بخلقه، ولذلك قال العلماء: إن الغالب في الزوج أن لا يقدم على تهمة زوجته إلا إذا كان عنده ما يوجب ذلك، فلا يعقل أن الإنسان يفسد فراشه وينفي ولده إلا وهو معتمد على دليل، ولذلك كان هذا الحكم من الشرع قمةً في السوية والعدالة، ذلك أن اللَّه -عزَّ وجلَّ- لو قال لنبيه أو أوحى لنبيه: أن اقبل قذف الأزواج، وأقم على الزوجات الحد مطلقًا لكان في ذلك ضرر بالزوجات، ولفُتِح باب انتقام الأزواج من زوجاتهم، ولو قال بالعكس: لا تَقْبَل شهادة الزوج مطلقًا، وأقم عليه حد القذف لكان في ذلك من الضرر بالرجال ما لا يعلمه إلا اللَّه، ولكنَّ اللَّه -عزَّ وجلَّ- أقام الميزان العدل، فأمره أن يقيم هذه الشهادة، وهي شهادات اللعان، خمس من الزوج، وخمس من الزوجة بالغة في النكال والعقوبة والعياذ باللَّه، يُوقف عند الخامسة فيُذكَّر باللَّه -عزَّ وجلَّ-، وتُوقف المرأة عند الخامسة فتذكر باللَّه -عزَّ وجلَّ-، وكل يمين من هذه الخمس بمثابة الشاهد، فما أنسبه من حكم! وما أعدله من شرع! . (١)

وفي هذه النصوص تيسير على الأزواج، يناسب دقة الحالة وحرج الموقف. ذلك حين يطلع الزوج على فعلة زوجته، وليس له من شاهد إلا نفسه، فعندئذ يحلف أربع مرات باللَّه إنه لصادق في دعواه عليها بالزنا، ويحلف يمينًا خامسة أن لعنة اللَّه عليه إن كان من الكاذبين، وتسمى هذه شهادات؛ لأنه الشاهد الوحيد، فإذا فعل أعطاها قدر مهرها، وطلقت منه طلقة بائنة، وحق عليها حد الزنا وهو الرجم، ذلك إلا أن ترغب في درء الحد


(١) تفسير سورة النور للشنقيطي (٣/ ٢٦).
قلت: وخلاصة ما تقدم من حكمة مشروعية اللعان: أن اللَّه لم يجعل الحكم في ذلك الجلد أو الرجم، لأن اللعان خاص بالزوجين، وأن الزوج له حالات ثلاث:
أ- أن يقتل زوجته، فيقتل بها قصاصًا حكمًا بالظاهر وتوكل سريرته إلى اللَّه.
ب - إذا عجز عن الإتيان بأربعة شهود يحد حد القذف.
ج - أن يلاعن زوجته وتحق عليه اللعنة إن كان كاذبًا، ويحق غضب اللَّه عليها إن كانت كاذبة، ويفرق بينهما، ولا يلحقه نسب الولد، ثم نزيد فنقول للمعترض: كيف تستدل علينا بشيء أنت تنكره؟ قديما أنكرت الجلد فكيف تستدل به الآن؛ واستبشعت الرجم من قبل فالآن نقول لك: (أثبت العرش ثم انقش)، وانظر تفسير القشيري (٥/ ٣٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>