للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنهما- قائد الميمنة وعمر بن أبي سلمة -رضي اللَّه عنه- على الميسرة وجعل على مقدمة الجيش أبا ليلى بن عمر بن الجراح واستخلف على المدينة قثم بن العباس -رضي اللَّه عنهم-.

وهذه بادرة منه -رضي اللَّه عنه- ليعلن تبرؤه من أولئك المارقين، ويثبت قدرته على السيطرة على أمر المسلمين من غير عون منهم، فقد كان له في المسلمين الموالين له والمؤيدين لخلافته ما يغنيه عن الاستعانة بهم والتودد إليهم. وهذا أقصى ما يمكنه فعله بتلك الطائفة إذ ذاك، وهو كافٍ في عذره لأنهم مئات ولهم قرابة وعشائر في جيشه، فما يأمن لو عاملهم بأكثر من هذا من الشدة أن يمتد حبل الفتنة في الأمة، كما حصل ذلك لطلحة والزبير وعائشة بالبصرة حين قتلوا بعضًا منهم، فغضب لهم قبائلهم واعتزلوهم. (١)

فلما نزل الناس منازلهم واطمأنوا خرج عليّ وخرج طلحة والزبير فتوافقوا وتكلموا فيما اختلفوا فيه، فلم يجدوا أمرًا هو أمثل من الصلح، فافترقوا على ذلك، رجع عليّ إلى عسكره ورجع طلحة والزبير إلى عسكرهما وأرسل طلحة والزبير إلى رؤساء أصحابهما، وأرسل عليّ إلى رؤساء أصحابه ما عدا أولئك الذين حاصروا عثمان -رضي اللَّه عنه-، فبات الناس على نية الصلح والعافية، وهم لا يشكون في الصلح فكان بعضهم بحيال بعض، وبعضهم يخرج إلى بعض لا يذكرون ولا ينوون إلا الصلح فباتوا بخير ليلة باتوها منذ مقتل عثمان -رضي اللَّه عنه-، وبات الذين أثاروا الفتنة بشرّ ليلة باتوها قط، إذ أشرفوا على الهلاك وجعلوا يتشاورون ليلتهم كلها. (٢)

فاجتمعوا على إنشاب الحرب في السر، فغدوا في الغلس وعليهم ظلمة وما يشعر بهم جيرانهم، فوضعوا فيهم السيوف، فثار أهل البصرة وثار كل قوم في وجوه الذين باغتوهم، فقام طلحة ينادي وهو على دابته -وقد غشيه الناس- فيقول: يا أيها الناس أتنصتون؟ فجعلوا يركبونه ولا ينصتونه، فما زاد أن قال: أف، أف، فراش نار وذبان طمع. (٣) وهل يكون فراش النار وذبان الطمع غير أولئك السبئية؟ ! التحم القتال من


(١) إفادة الأخيار ببراءة الأبرار للتباني (٢/ ٥٢).
(٢) تاريخ الطبري (٤/ ٥٠٦ - ٥٠٧) من طريق سيف بن عمر.
(٣) تاريخ خليفة (١٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>