وقد جاء وصف الكيد في سورة يوسف نفسها منسوبًا إلى أخوة يوسف، إذ جاء فيها على لسان يعقوب -عليه السلام-: {قَالَ يَابُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (٥)} (يوسف: ٥).
أما الكيد الذي وصفت به امرأة العزيز وصاحباتها، فهو كيد يعهد في المرأة ولا ينسب إلى غيرها، أو هو كيدهن الذي يتسمن به ويصدر عن خلائقهن وطبائعهن، كما يفهم من الإضافة المتكررة في الآيات الثلاث، ويدل عليه عمل امرأة العزيز فيما غشَّت به زوجها، واحتالت له من مراودة غلامها عن نفسه، ثم من اتهامه بمراودتها وتنصلها من فعلها، وكلها أعمال تتلخص في "الرياء" أو في إظهار غير ما تبطنه، واحتيالها للدس والإخفاء. (١)
والرياء صفة عامة تشاهد في كثير من المستضعفين من الرجال والنساء، وأسبابه الاجتماعية تحدث لكل ضعيف يقهره غيره، فلا يخص المرأة دون الرجل، ولا ينحصر بين فئة من الناس دون فئة، وقد يحدث للحيوان الضعيف ويلجئه إلى المراوغة والملق، وهو لا يتكلف لذلك كما يتكلف الإنسان الذي يفكر فيما يعمل وفيما يقصد إليه.
وينسب رياء المرأة إلى الضرورات التي فرضها عليها في حياتها الاجتماعية أو حياتها البيتية، وقد يظهر فيها على نحو يناسبها حتى يتلبَّس بالبواعث الأنثوية المقصورة عليها، فلا تختص به في أصوله، إذ كانت أصوله من الضعف الذي يشاركها فيه جميع الضعفاء، وإنَّما تختص به؛ لأن بواعثها الأنثوية مقصورة على جنسها.