إلا أن "الرياء" الأنثوي الذي يصح أن يقال فيه: إنه رياء المرأة خاصة إنما يرجع إلى طبيعة في الأنوثة تلزمها في كل مجتمع، ولا تفرضه عليها الآداب والشرائع، ولا يفارقها باختيارها أو بغير اختيارها، بل لعلها هي تأبى أن يفارقها لو وكل إليها الاختيار فيه.
فمن أصول هذا الرياء في تكوين الأنثى أنها مجبولة على التناقض بين شعورها بغريزة حب البقاء، وشعورها بغريزتها النوعية، فهي تتعرض للخطر على الحياة وتفوح بوفاء أنوثتها في وقت واحد، وهي إذ تضع حملها تتألم أشد الألم، وتعاني جزع الخشية على حياتها حين تخامرها وتسري في كيانها غبطة الأم التي أتمت وجودها، وتوجت حياتها الجنسية بأعز ما تصبو إليه وتتمناه، ويستوي كيانها كله على أن تفرح وهي تتألم، وتتألم وهي تفرح، فلا يستقيم شعورها خالصا من النقيضين في أعمق وظائفها التي خلقت لها، ومثل هذا التناقض يلازم عواطفها جميعًا فيما هو دون ذلك من نزعتها وأهوائها.
ومن أصول هذا الرياء في تكوينها، أنها مجبولة كذلك على التناقض بين شعورها بالشخصية الفردية، وشعورها بالحب والعلاقة الزوجية، فهي كجميع المخلوقات الحية ذات وجود شخصي مستقل تحرص عليه، وتأبى أن تلغيه أو تتخلى عن ملامحه ومعالم كيانه وهي في حوزتها الشخصية مدفوعة إلى صدِّ كل الفتيات ينذرها بالفناء في شخصية أخرى، ولكنها في أشد حالات الوحدة لا تتوق إلى شيء، كما تتوق إلى الظفر بالرجل الذي يغلبها بقوَّته، ويستحق منها أن تأوي إليه، وتلحق وجودها بوجوده، وأسعد ما تكون في حبها أو في علاقتها الزوجية، إذ يملكها الرجل الذي يفوقها بالقدرة المطاعة، والعزيمة النافذة، ونتيجة المقاومة عندها أن تجمع بين الانتصار والخذلان في لحظة واحدة، فهي منتصرة حين تظفر بالرجل الذي يغلبها ويستولي عليها.
وشبيه بهذا التناقض مع اختلاف أسبابه، أن الرغبة الجنسية عندها تنفصل عن الغريزة النوعية في معظم أيامها، فليست الرغبة الجنسية -بحكم الطبيعة- عبثًا في وقت من الأوقات عند الرجل، ولكنها عبث عند المرأة في أوقات حملها، وفي غير أوقات الحمل