غريزة كالتي في الوحوش، ولا ضياء عقل كالذي في بني الإنسان، ولا نقْضّ عليها في ضراوة مرعبة، ثم لم يفلتها إلا وهي محطمة أو هالكة، أي: فالنتيجة هي أن تقدم حياتها -على الأغلب- قربانًا لمساواة، لا في أصلِ الكرامة التي متع اللَّه بها كلًا من الرجل والمرأة على السواء، بل من أجل وحدة السبيل إلى رعايتهاها كل منهما، فهل يستأهل هذا الموقف الذي لا موجب له، أن تقدم المرأة حياتها قربانًا في سبيله؟ . (١)
لقد كان جواب الشريعة الإسلامية، أن الزوج الناشز أو المسيء يجب أن يلقى عقابه، على أن لا يعرض السبيل إلى ذلك الزوجة، لأي خطر يحوم حولها أو لأي أذى ينزل بها، وإنما تتم ضمانة ذلك بأن تقيم الشريعة من القاضي نائبًا عن الزوجة في الانتصار لها وإنزال العقوبة اللازمة بزوجها، وقد لا تقف العقوبة التي يستحقها الزوج عند حد الضرب، بل قد تتجاوزها إلى السجن وغيره.
وهذا هو منهج الشريعة الإسلاميةِ في إنزال العقوبات على مستحقيها، فهي تكلف بذلك السلطة القضائية وما يستتبعها من السلطة التنفيذية، كلَّما غلب على الظن أن الطرف المظلوم لا يستطيع أن يستقل بالانتصار لنفسه، أو يستطيع في الظاهر، ولكنها استطاعة من شأنها أن تجر وراءها ذيولًا من الفتن قد يكون هذا المظلوم ذاته هو أول من يحترق بنارها.
ينبغي أن نعلم أولًا أن الشريعةَ الإسلاميةَ أخضعت كلًا من الزوج والزوجة لهذا العقاب، إذا تحقق موجبه، ولم تخضع الزوجة فقط له، غير أن الشريعة فرقت بينهما في طريقة التنفيذ ففي الوقت الذي مكنت الزوج من تطبيق هذا العقاب على الزوجة بشروطه وقيوده، إنما مكنت القاضي دون غيره من تطبيق هذا العقاب وأشدَّ منه على الزوج بشروطه وقيوده أيضًا للسبب الذي أوضحناه.
فبين الرجل والمرأة مساواة دقيقة في التعرض لهذا العقاب عند حصول موجباته، ولكنَّ الاختلافَ إنما هو في السبيل التي ينبغي أن تتخذ إلى هذه المساواة بينهما.
* * *
(١) المرأة بين طغيان النظام الغربي ولطائف التشريع الرباني صـ ١١٦: ١١٥.