فليس المحلل زوج؛ ذلك لأن النكاح في اللغة الجمع والضم على أتم الوجوه؛ فإن كان اجتماعًا بالأبدان فهو الإيلاج الذي ليس بعده غاية في اجتماع البدنين، وإن كان اجتماعًا بالعقود فهو الجمع بينهما على وجه التمام واللزوم.
والمحلل الذي لم يقصد شيئًا من ذلك لا يسمى ناكحًا، ويبين هذا أن الزوج المطلق في الخطاب إنما يعقل منه الرجل الذي يقصد مقامه ودوامه مع المرأة بحيث ترضى مصاهرته وتعتبر كفاءته، وهذا المحلل الذي جيء به للتحليل ليس بزوج؛ وإنما هو تيسٌ استعير لضِرابِه، والنكاح المفهوم في عرف أهل الخطاب إنما هو نكاح الرغبة لا يعقلون عند الإطلاق إلا هذا، ولو تزوج محللًا لعده أهل العرف نكاحًا بالتقييد؛ فيقال نكاح المحلل، وفرق بين ما يقتضيه مطلق اللفظ وما يقتضيه مع التقييد، واللَّه سبحانه وتعالى قال:{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ}، ولم يرد به كل ما يسمى نكاحًا مع الإطلاق أو التقييد بإجماع الأمة؛ فإن ذلك يدخل فيه نكاح ذوات المحارم، فلا بد أن يراد به ما يفهم من لفظ النكاح عند الإطلاق في عرف المسلمين، يقوي هذا أن التحريم قبل هذا النكاح ثابت بلا ريب، ونكاح الرغبة رافع لهذا التحريم بالاتفاق، وأما نكاح المحلل فلا نعلمه مرادًا من هذا الخطاب، ولا هو مفهوم منه عند الإطلاق، فيبقى التحريم ثابتًا حتى يقوم الدليل على أنه نكاح مباح، ومعلومٌ أنه لا يمكن أحدٌ أن يذكر نصًا يُحِلُّ مثل هذا النكاح ولم يثبت دخوله في اسم النكاح المطلق. (١)
قوله تعالى:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} يدل على أن للزوج الثاني أن يطلق وأن يقيم، والتحليل ليس فيه هذا، فدلت الآية على أن النكاح المراد في قوله:
{حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} هو النكاح المطلق، وليس النكاح المقيد بالتحليل.
قال ابن تيمية في قوله:{فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا}.
(١) إقامة الدليل على بطلان التحليل لابن تيمية (٥٠٠ - ٥٠٣).