للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَرَتْ بِجَعْلِ الرَّايَاتِ فِي أَطْرَافِ الرُّمْحِ؛ فَلَمَّا كَانَ ظِلّ الرُّمْح أَسْبَغَ كَانَ نِسْبَةُ الرِّزْقِ إِلَيْهِ أليَقَ؛ وَقَدْ تَعَرَّضَ فِي الحدِيثِ الْآخَرِ لِظِلِّ السَّيْفِ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا مِنْ قَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم - "الْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ" (١)، فَنُسِبَ الرِّزْقُ إِلَى ظِلّ الرُّمْح لمِا ذَكَرْتُهُ؛ أَنَّ المقْصُودَ بِذِكْرِ الرُّمْحِ الرَّايَةُ وَنُسِبَتْ الجنَّة إِلَى ظِلِّ السَّيْفِ؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ تَقَعُ بِهِ غَالِبًا؛ وَلأَنَّ ظِلّ السَّيْفِ يَكْثر ظُهُورُهُ بِكَثْرَة حَرَكَة السَّيْفِ فِي يَدِ المُقَاتِلِ؛ وَلأَنَّ ظِلّ السَّيْف لَا يَظْهَرُ إِلَّا بَعْدَ الضَّرْبِ بِهِ؛ لِأَنَّهُ قَبْلَ ذَلِكَ يَكُونُ مَغْمُودًا مُعَلَّقًا (٢).

قال ابن بطال: قال المهلب: وفيه أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خص بإحلال الغنائم، وأن رزقه منها بخلاف ما كانت الأنبياء قبله عليه، وخص بالنصر على من خالفه، ونُصر بالرعب، وجعلت كلمة الله العليا هي (٣).

قال المناوي: وأطيب كسب المسلم سهمه في سبيل الله: أي ما يكسبه من غنيمة وفيء وسلب قتيل ونحوها، لأن ما حصل بسبب الحرص على نصرة دين الله، ونيل درجة الشهادة، لا شيء أطيب منه، فهو أفضل من البيع وغيره مما مر، لأنه كسب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - وحرفته؟ ألا ترى إلى قوله: "جعل رزقي تحت ظل رمحي"، فأفضل الكسب مطلقًا؛ سهم الغازي لما ذكر ثم ما حصل بالاحتراف من عمل اليد لأنه كسب كثير من الأنبياء (٤).

وقوله: "بالسيف" خص نفسه به، وإن كان غيره من الأنبياء بعث بقتال أعدائه أيضًا، لأنه لا يبلغ مبلغه فيه أقول، ويحتمل أنه إنما خص نفسه به، لأنه موصوف بذلك في الكتب، فأراد أن يقرع أهل الكتابين ويذكرهم بما عندهم.

وقوله: "وجعل رزقي تحت ظل رمحي" قال الديلمي: يعني الغنائم وكان سهم منها له خاصة: يعني أن الرمح سبب تحصيل رزقي، قال العامري: يعني أن معظم رزقه كان


(١) البخاري (٢٨١٨)، مسلم (١٧٤٢) من حديث عبد الله بن أبي أوفى - رضي الله عنه -.
(٢) فتح الباري (٦/ ١١٦: ١١٥).
(٣) شرح ابن بطال (٩/ ١٢٩).
(٤) فيض القدير (١/ ٦٩٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>