للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (٢٩) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (٣٠)} [النساء: ٢٩ - ٣٠]، وقال أيضًا: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: ٣٢].

وذكرهم الله أيضا لما سرد أوصاف عباده كما في سورة الفرقان: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الفرقان: ٦٨] وغيرها من الآيات التي تزجر وتتوعد قاتل النفس.

وجاء في السنة أحاديث كثر أذكر منها حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيه خالدًا مخلدًا فيها أبدًا ... " (١) فهذا الحديث وغيره يبين لنا عقوبة الذي يقتل نفسه في الشريعة الإسلامية لكنني أريد أن أربط الحكم بهذه الشبهة التي يفترونها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وهل يصح أن نطلق عليها محاولة انتحار وهل تأخذ نفس الحكم أم لا؟

أولًا: يجب أن نعرف أن هذا الفعل من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا على تقدير ثبوت القصة - كان قبل أن يبعث بالرسالة وقد سبق الكلام على عصمة النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل البعثة وبعدها وأنه منزه عن اقتراف هذه الأفعال.

ثانيًا: ينبغي أن نعرف أيضًا أن هذا الفعل على التسليم بصحته ولم يثبت كان قبل نزول الأحكام الشرعية والتي جاء فيها بيان حكم قتل النفس أو الانتحار، ومن ثم فلا يجوز إسقاط فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتكييفه تكييفًا شرعيًا لأن الأحكام لم تكن شرعت حين إذ فمعلوم أن الذي يزني إذا كان محصنًا يرجم بالحجارة حتى الموت فإذا لم يكن هناك حكمًا في شأن الذي يزني فلا يكون عقاب عليه أو عقاب لذلك كان من أفرى الفرى أن تقول أن هذه محاولة انتحار إذ لم تكن معروفة آنذاك.


(١) البخاري (٥٧٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>