والعداء مستحكم بين المعتزلة وأهل الحديث من أواخر القرن الأول الهجري وأصبح متوارثًا، وأترك التعريف بأبي جعفر وتزكيته لتلميذه ابن أبي الحديد فيقول: ذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه الله تعالى وكان من المتحققين بموالاة عليّ والبالغين في تفضيله وإن كان يقول بالتفضيل عامًا شائعًا في البغداديين من أصحابنا كافة إلا أن أبا جعفر أشدهم في ذلك قولًا، أخلصهم فيه اعتقادًا.
هذه شهادة تلميذ لأستاذه لا يرقى إليه الشك، ولا يعتريها الظن والتأويل، والأستاذ من أهل الأهواء، الداعي إلى هواه، بل من المتعصبين في ذلك، بشهادة أقرب الناس إليه وأعرفهم به، فإذا سبق لأمثاله أن كذّبوا الصحابة في الحديث بل في نقل القرآن فليس بعيدًا أن يكذبوا على أبي هريرة، ويفتروا عليه وعلى بعض الصحابة والتابعين. فروايته مردودة لسببين:
الأول: ضعف الإسكافي لعاملين: الأول لأنه معتزلي يناصب العداء لأهل الحديث.
والثاني، أنه شيعي محترق. فقد اجتمع هذان العاملان فيه، ويكفي أحدهما لرد روايته. وبعد هذا لا يعقل أن تقبل الجرح والتعديل أو الرواية من رجل مطعون في عدالته، مشكوك في روايته يعادي أهل السنة، فمن البداهة رفض روايته.
الثاني: لم تذكر هذه الروايات في مصدر موثوق بسند صحيح.
علمًا بأن الإسكافي لم يذكر لها سندًا فلن أقول أنها موضوعة، بل يكفي أنها ضعيفة لا يحتج بها.
ثالثًا: وأما من حيث المتن. فلم يثبت أن معاوية حمل أحدًا على الطعن في علي -رضي الله عنه-، ولم يثبت عن أحد من الصحابة أنه تطوع في ذلك، أو أخذ أجرًا مقابل وضع الحديث، والصحابة جميعًا أسمى من أن ينحطوا إلى هذا الحضيض، ومعاذ الله أن يفعل هذا إنسان صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وسمع زجره عن الكذب، وإن جميع ما جاءنا من هذه الأخبار الباطلة، إنما كان عن طريق أهل الأهواء المتعصبين لأهوائهم، فتجرأوا على الحق، ولم يقيموا للصحبة حرمتها، فتكلموا في خيار الصحابة واتهموا بعضهم بالضلال والفسق، وقذفوا بعضهم بالكفر، وافتروا على أبي بكر وعمر وعثمان وغيرهم، وقد كشف أهل الحديث عن هؤلاء الكذبة، لذلك ناصبت أكثر