للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا}؛ أي في دُونها. (١)

قال الجاحظ: في قول الله - عز وجل -: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} يريد فما دونها، وهو كقول القائل: فلان أسفل الناس، فتقول: وفوق ذلك! تضع قولك فوق مكان قولهم: هو شر من ذلك، وقال الفراء: فما فوقها في الصغر. (٢)

قال ابن منظور: قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا} قال أبو عبيدة: فما دونها، كما تقول إذا قيل لك: فلان صغير تقول: وفَوْقَ ذلك؛ أي أصغر من ذلك، وقال الفراء: في فَوْقَها؛ أي أعظم منها يعني الذُّباب والعَنْكبوت (٣).

وحاصل القول ما قاله الآمدي: وليس لهذه اللغة عندهم إلا وجهان:

أحدهما: أن يكون (فما فوقها) بمعنى فما هو أكبر منها؛ لأن البعوضة غاية في الصغر، فيكون المعنى: أنه - عز وجل - لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بين هذا الشيء الذي هو نهاية الصغر إلى ما هو فوقه أي: ما زاد عليه وتجاوز.

والوجه الآخر: أن يكون (فما فوقها) بمعنى فما فوقها في الصغر، وهذا قول أبي العباس محمد بن يزيد المبرد وأبي إسحاق الزجاج والكسائي من قبلهما وأبي عبيدة وما أظن غير هؤلاء (من النحويين) يقول إلا مثل قولهم. (٤)

قال الزمخشري: فيه - أي في قوله "فما فوقها" - معنيان:

أحدهما: في تجاوزها وزاد عليها في المعنى الذي ضربت فيه مثلًا، وهو القلّة والحقارة، نحو قولك لمن يقول: فلان أسفل الناس وأنذلهم: هو فوق ذاك، تريد هو أبلغ وأعرق فيما وصف به من السفالة والنذالة.


(١) المزهر (١/ ١٢٢).
(٢) فقه اللغة ١/ ٨٥.
(٣) لسان العرب (١٠/ ٣١٥).
(٤) الموازنة (١/ ٤٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>