للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خامسًا: ولما أمر بذبح ولده إسماعيل، بعد الانتظار الطويل، وبعد أن جاءه الولد على كبر العمر، وتشوق نفسه له، أسرع إبراهيم في تنفيذ الأمر ولم يتوان لحظة واحدة.

قال الله تعالى: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (١٠٢) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣) وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ (١٠٤) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١٠٥) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (١٠٦) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ (١٠٨) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (١٠٩) كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (١١٠) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (١١١) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (١١٣)} [الصافات: ٩٩ - ١١٣].

وهذا اختبار من الله - عز وجل - لخليله في أن يذبح هذا الولد العزيز الذي جاءه على كبر، وقد طعن في السن بعد ما أمر بأن يسكنه هو وأمه في بلاد فقر وواد ليس به حسيس ولا أنيس ولا زرع ولا ضرع فامتثل أمر الله في ذلك وتركهما هناك ثقة بالله وتوكلا عليه فجعل الله لهما فرجًا ومخرجًا ورزقهما من حيث لا يحتسبان.

ثم لما أمر بعد هذا كله بذبح ولده هذا الذي قد أفرده عن أمر ربه وهو بكره ووحيده الذي ليس له غيره أجاب ربه وامتثل أمره وسارع إلى طاعته.

ثم عرض ذلك على ولده؛ ليكون أطيب لقلبه، وأهون عليه من أن يأخذه قسرًا ويذبحه قهرا: {يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى. . .} [الصافات: ١٠٢]، فبادر الغلام الحليم سر والده الخليل إبراهيم فقال: {قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}، وهذا الجواب في غاية السداد والطاعة للوالد ولرب العباد، قال الله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (١٠٣)} قيل: "أسلما" أي استسلما لأمر الله وعزم على ذلك. وقيل: وهذا من المقدم والمؤخر والمعنى: "تله للجبين" أي ألقاه على وجهه. قيل: أراد أن يذبحه من قفاه لئلا

<<  <  ج: ص:  >  >>