للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا أيضًا مزيد تأكيد وبيان على أن حب النساء في الحديث يعني الأهل منهن.

قال السيوطي: لما كان المقصود من سياق الحديث بيان ما أصابه النبي - صلى الله عليه وسلم - من متاع الدنيا بدأ به كما قال في الحديث الآخر: "ما أصبنا من دنياكم هذه إلا النساء" ولما كان الذي حبب إليه من متاع الدنيا هو أفضلها وهو النساء. بدليل قوله في الحديث الآخر: "الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة" ناسب أن يضم إليه بيان أفضل الأمور الدينية؛ وذلك الصلاة؛ فإنها أفضل العبادات بعد الإيمان، فكان الحديث على أسلوب البلاغة من جمعه بين أفضل أمور الدنيا وأفضل أمور الدين، وفي ذلك ضم الشيء إلى نظيره وعبر في أمر الدين بعبارة أبلغ مما عبر به في أمر الدنيا حيث؛ اقتصر في أمر الدنيا على مجرد التحبب وقال في أمر الدين: "جُعلت قرة عيني"؛ فإن في قرة العين من التعظيم في المحبة ما لا يخفى. (١)

وقال علي بن برهان الدين الحلبي: حيث لم يقل من دنياي ولا من الدنيا؛ فإنه أشار بهذه الإضافة إلى أن النساء والطيب من دنيا الناس؛ لأنهم يقصدونهما للاستلذاذ وحظوظ النفس وهو - صلى الله عليه وسلم - منزه عن ذلك؛ وإنما حُبب إليه النساء لينقلن عنه محاسنه ومعجزاته الباطنة والأحكام السرية التي لا يطلع عليها غالبًا غيرهن وغير ذلك من الفوائد الدينية. (٢)

قال محمد بن يوسف الصالحي: أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن متشوقًا إلى زخرف الدنيا ولذاتها، ولقد عرض عليه أن تكون له جبال مكة ذهبًا تسير معه حيث سار فأباها، واختار الافتقار إلى الله تعالى.

معلوم أن الذهب يتحصل به جميع ما يقصده من أعراض الدنيا وزخارفها، وتقلله من الدنيا أمر شائع ذائع صحت به الأحاديث.

وتقدم بعض ذلك في باب زهده - صلى الله عليه وسلم - إذا تقرر ذلك، فحبه للنساء والطيب ليس من زهرة الدنيا والافتتان، بل هو من أعمال الاخرة المحصلة لمعالي الدرجات، وبيان ذلك أنه حبب إليه كثرة النساء، ليطلعهن على ما لديه من بواطن الشريعة وظواهرها، فينقلنه ويعلنه للناس، أو يكون التشريع بسببهن، وخصوصًا مما يستحيي الرجال من ذكره


(١) الحاوي للفتاوى للسيوطي ١/ ٣٥٥.
(٢) السيرة الحلبية ٢/ ١٨١.

<<  <  ج: ص:  >  >>