للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْحَمِيدَةِ قَالَ الْجَاهِلُ المسْكِينُ: {مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} أَلا ترى إلَى قَوْله تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ: {قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ} فَقَالَ: {لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ}، وَلَمْ يَقُلْ إنِّي مَلَكٌ، فَلَمْ يَنْفِ الْمَلَكِيَّةَ عَنْهُ إلَّا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِمْ أَعْنِي فِي مَعَانيهِ - صلى الله عليه وسلم - لَا فِي ذَاتِهِ الْكَرِيمَةِ، إذْ أَنَّهُ - صلى الله عليه وسلم - يَلْحَقُ بَشَريَّتهُ مَا يَلْحَقُ الْبَشَرَ (١).

وقال الفخر الرازي: ولذلك قال - صلى الله عليه وسلم -: "حُبِّبَ إليَّ من دنياكم ثلاث: الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة" فرجح الصلاة على النكاح. (٢)

انظر في كلام الرازي قال: "فرجح الصلاة على النكاح". وهذا يؤكد معنى الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقصد بكلمة النساء في الحديث زوجاته، أي: ما يحل له ليس غيرهن.

وقال القاضي عياض: حُبِّبَ إلي من دنياكم فدل على أن حبه لما ذكر من النساء والطيب اللذين هما من أمور دنيا غيره واستعماله لذلك ليس لدنياه، بل لآخرته للفوائد التي ذكرناها في التزويج وللقاء الملائكة في الطيب؛ ولأنه أيضًا مما يحض على الجماع ويعين عليه ويحرك أسبابه.

وكان حبه لهاتين الخصلتين لأجل غيره وقمع شهوته، وكان حبه الحقيقي المختص بذاته في مشاهدته جبروت مولاه ومناجاته، ولذلك ميَّز بين الحبين وفصل بين الحالين فقال: "وجعلت قرة عيني في الصلاة". (٣)

وقال ابن القيم بعد أن ذكر الحديث: فلا عيب على الرجل في محبته لأهله وعشقه لها، إلا إذا شغله ذلك عن محبة ما هو أنفع له من محبة الله ورسوله، وزاحم حبه وحب رسوله، فإن كل محبة زاحمت محبة الله ورسوله بحيث تضعفها وتنقصها فهي مذمومة، وإن أعانت على محبة الله ورسوله وكانت من أسباب قوتها فهي محمودة. (٤)


(١) المدخل لابن الحاج ٢/ ١٨٩.
(٢) تفسير الفخر الرازي ٢٣/ ٢١٣.
(٣) الشفا بتعريف حقوق المصطفي للقاضي عياض (ص- ١٠٦).
(٤) إغاثة اللهفان (ص-٥١٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>