قال الشوكاني: وقد جوزت الرافضة البداء عليه عز وجل لجواز النسخ، وهذه مقالة الكفر بمجردها (١).
قال الزرقاني: ذانك معنيان متقاربان للبداء (الظهور بعد الخفاء، نشأة رأي جديد لم يك موجودًا) وكلاهما مستحيل على الله تعالى؛ لما يلزمهما من سبق الجهل، وحدوث العلم، والجهل والحدوث عليه محالان؛ لأن النظر الصحيح في هذا العالم دلنا على أن خالقه ومدبره متصف أزلًا وأبدًا بالعلم الواسع المطلق المحيط بكل ما كان وما سيكون وما هو كائن كما هدانا هذا النظر الصحيح إلى أنه تعالى لا يمكن أن يكون حادثا ولا محلا للحوادث، وإلا لكان ناقصًا يعجز عن أن يبدع هذا الكون ويدبره هذا التدبير المعجز ذلك إجمال لدليل العقل.
أما أدلة النقل: فنصوص فياضة ناطقة بأنه تعالى أحاط بكل شيء علما وأنه لا تخفى عليه خافية, قال تعالى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[الحديد: ٢٢]، وقال تعالى: {وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (٥٩)} [الأنعام: ٥٩]، وقال تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ (٨) عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ (٩) سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} [الرعد: ٨ - ١٠]، إلى غير ذلك من مئات الآيات والأحاديث.
ولكن على رغم أنف هذه البراهين الساطعة من عقلية ونقلية ضل أقوام سفِهوا أنفسهم فأغمضوا عيونهم عن النظر في الكون الناطق، وصموا آذانهم عن سماع كلام الله وكلام نبيه الصادق، وزعموا أن النسخ ضرب من البداء أو مستلزم للبداء، وهكذا اشتبهوا أو شبهوا على الناس الأمر لولا ظهور مصلحة لله ونشوء رأي جديد له ما نسخ أحكامه وبدل تعاليمه، ونسوا أو تناسوا أن الله تعالى حين نسخ بعض أحكامه ببعض ما