للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالغيرة منهما -أي: من الزوج والزوجة- إن كانت لما في الطباع البشرية التي لم يسلم منها أحد من النساء فتعذر فيها، ما لم تتجاوز إلى ما يحرم عليها من قول أو فعل، وعلى هذا يحمل ما جاء من السلف الصالح عن النساء في ذلك. (١)

وقال ابن مفلح: قال الطبري وغيره من العلماء: الغيرة مسامح للنساء فيها، لا عقوبة عليهن فيها لما جُبِلن عليه من ذلك. (٢)

وقال الحافظ ابن حجر شرحًا لحديث كسر عائشة لإناء إحدى ضرائرها: وقالوا -أي: جميع من شرحوا الحديث-: فِيهِ إِشَارَة إِلَى عَدَم مُؤَاخَذَة الْغَيْرَاء بِمَا يَصْدُر مِنْهَا؛ لأَنَّهَا فِي تِلْكَ الْحَالَة يَكُون عَقْلهَا مَحْجُوبًا بِشِدَّةِ الْغَضب الَّذِي أَثَارَتْهُ الْغَيْرَة (٣).

وما وقع من فضليات النساء من الغيرة إنما هو مما لم يسلم منه أحد، وهنَّ غير مؤاخذات عليه؛ لأنه ليس في فعلهن تعدٍّ على شرع الله تعالى، وما حصل من غيرة سارة من هاجر هو من هذا الباب، فطلب الزوجة من زوجها أن لا ترى ضرتها، أو أن لا تجاورها أمرٌ غير مستنكر، مع أن الذي ذكره أهل العلم أن إبراهيم عليه السلام هو الذي خرج بهاجر وابنه، لا أن سارة زوجه طلبت منه ذلك.

قال الحافظ ابن حجر: وأما إذا كان الزوج مقسطًا عادلًا وأدى لكل من الضرتين حقها، فالغيرة منهما إن كانت لما في الطباع البشرية التي لم يسلم منها أحد من النساء فتعذر فيها ما لم تتجاوز إلى ما يحرم عليها من قول أو فعل، وعلى هذا يحمل ما جاء عن السلف الصالح من النساء في ذلك. (٤)

٤ - ولهذا الأمر الذي ذكرناه حرم الشرع الجمع بين أنواع معلومة من النساء لئلا تتقطع الأرحام بسبب الغيرة، ومعلوم أن المرأة تكره الزواج من زوجها بأختها؛ لا لأنها تكرهها فهي أختها من أبويها، ولكنها تحب أن تستأثر بزوجها.


(١) فتح الباري ٩/ ٣٢٦.
(٢) الآداب الشرعية ١/ ٢٤٨.
(٣) فتح الباري ٩/ ٣٢٥.
(٤) فتح الباري ٩/ ٣٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>