للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي رواية قال ابن عباس: أولُ ما اتخذ النساء النطق مِنْ قبلُ أمُّ اسماعيل اتخذت منطقًا لتعفي أثرها على سارة. (١)

وما حصل من غيرة سارة من هاجر هو من هذا الباب، فطلب الزوجة من زوجها أن لا ترى ضرتها، أو أن لا تجاورها أمرٌ غير مستنكر، مع أن الذي ذكره أهل العلم أن إبراهيم عليه السلام هو الذي خرج بهاجر وابنه، لا أن سارة زوجه طلبت منه ذلك.

قال ابن كثير: والمقصود أن هاجر -عليها السلام- لما ولد لها إسماعيل اشتدت غيرة سارة منها وطلبت من الخليل أن يغيَّب وجهها عنها، فذهب بها وبولدها فسار بهما حتى وضعهما حيث مكة اليوم، ويقال: إن ولدها كان إذ ذاك رضيعًا، فلما تركهما هناك وولى ظهره عنهما قامت إليه هاجر وتعلقت بثيابه، وقالت: يا إبراهيم، أين تذهب وتدعنا هاهنا وليس معنا ما يكفينا؟ فلم يجبها، فلما ألحت عليه وهو لا يجيبها قالت له: آلله أمرك بهذا؟ قال: نعم، قالت: فإذًا لا يضيعنا. (٢)

وهل هذه الغيرة مما ينقص من شأن سارة زوجة إبراهيم عليه السلام؟

والجواب: لا؛ لأن غيرة المرأة من ضرائرها أمرٌ جُبلت عليه، وهو غير مكتسب، ولذا فإنها لا تؤاخذ عليه إلا أن تتعدى، وتقع بسبب الغيرة فيما حرم الله عليها من ظلم أختها، فتقع في غيبة أو نميمة أو تؤدي بها غيرتُها إلى طلب طلادتى ضرتها أو الكيد لها وما شابه ذلك.

قال الحافظ ابن حجر: وأصل الغيرة غير مكتسب للنساء، لكن إذا أفرطت في ذلك بقدر زائد عليه تلام، وضابط ذلك ما ورد في الحديث عن جابر بن عتيك الأنصاري رفعه: "إِنَّ مِنْ الْغَيْرَةِ مَا يُحِبُّ الله عزَّ وجلَّ، وَمِنْهَا مَا يَبْغُضُ الله عزَّ وجلَّ، فَأَمَّا الْغَيْرَةُ الَّتِي يحبُّ الله عزَّ وجلَّ فَالْغيرَةُ فِي الرِّيبَةِ، وَأَمَّا الْغيرَةُ الَّتِي يَبْغُضُ الله عزَّ وجلَّ فَالْغَيْرَةُ فِي غَيْرِ رِيبَةٍ" (٣).


(١) البخاري (٣٣٦٤).
(٢) البداية والنهاية ١/ ١٥٤.
(٣) سبق تخريجه.

<<  <  ج: ص:  >  >>