للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أولا: هذه الغيرة في الحقيقة نابعة من الحب للمحبوب لا من كراهية من تسبب في الغيرة، ومن ذلك ما نذكره:

١ - غيرة عائشة، وسنذكر ذلك في المحور الثالث بالتفصيل إن شاء الله تعالى.

٢ - غيرة سارة زوجة إبراهيم، وهذه بالطبع لم تنشأ من البغض لهاجر التي تذكرها بمن الله عليها عندما خلصها من يد الفاجر، ثم هي التي وهبتها لإبراهيم عليه السلام، ولكنها رأتها بقلب من تحب وكانت قبل ذلك ترى أن هذا الرجل العظيم خاصًا بها، ولم يعاقبها إبراهيم عليه السلام على هذه الغيرة، ولا أوحى الله إليه في عقابها بشيء، بل أمره بأن يهاجر بهاجر إلى مكة وذلك لحكمة يعلمها الله تعالى ظهرت بعد وعرفت؛ ولأن الغيرة فطرة في النساء والله تعالى فطرهن على ذلك.

وها هي قصتها عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: لمَّا كَانَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَبَيْنَ أَهْلِهِ مَا كَانَ خَرَجَ بِإِسْمَاعِيلَ وَأُمِّ إِسْمَاعِيلَ وَمَعَهُمْ شَنَّةٌ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَتْ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ تَشْرَبُ مِنْ الشَّنَّةِ فَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا، حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ فَوَضَعَهَا تَحْتَ دَوْحَةٍ ثُمَّ رَجَعَ إِبْرَاهِيمُ إِلَى أَهْلِهِ فَاتَّبَعَتْهُ أُمُّ إِسْمَاعِيلَ حَتَّى لمَّا بَلَغُوا كَدَاءً نَادَتْهُ مِنْ وَرَائِهِ: يَا إِبْرَاهِيمُ، إِلَى مَنْ تَتْرُكُنَا؟ قَالَ: إِلَى الله. قَالَتْ: رَضِيتُ بِالله. قَالَ: فَرَجَعَتْ فَجَعَلَتْ تَشْرَبُ مِنْ الشَّنَّةِ وَيَدِرُّ لَبَنُهَا عَلَى صَبِيِّهَا، حَتَّى لمَّا فَنِيَ الْمَاءُ قَالَتْ. لَوْ ذَهَبْتُ فَنَظَرْتُ لَعَلِّي أُحِسُّ أَحَدًا. قَالَ: فَذَهَبَتْ فَصَعِدَتْ الصَّفَا فَنَظَرَتْ وَنَظَرَتْ هَلْ تُحِسُّ أَحَدًا؟ فَلَمْ تُحِسَّ أَحَدًا .... ، فَبَلَغَ ابْنُهَا فَنَكَحَ فِيهِمْ امْرَأَةً. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لِأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي. قَالَ: فَجَاءَ فَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: ذَهَبَ يَصِيدُ. قَالَ: قُولِي لَهُ إِذَا جَاءَ غَيِّرْ عَتبَةَ بَابِكَ، فَلَمّا جَاءَ أَخْبَرَتْه. قَالَ: أَنْتِ ذَاكِ فَاذْهَبِي إِلَى أَهْلِكِ. قَالَ: ثُمَّ إِنَّهُ بَدَا لِإِبْرَاهِيمَ فَقَالَ لِأَهْلِهِ: إِنِّي مُطَّلِعٌ تَرِكَتِي. قَالَ: فَجَاءَ فَقَالَ أَيْنَ إِسْمَاعِيلُ؟ فَقَالَتْ امْرَأَتُهُ: ذَهَبَ يَصِيدُ، فَقَالَتْ: أَلا تَنْزِلُ فَتَطْعَمَ وَتَشْرَبَ؟ فَقَالَ: وَمَا طَعَامُكُمْ وَمَا شَرَابُكُمْ؟ قَالَتْ: طَعَامُنَا اللَّحْمُ وَشَرَابُنَا المُاءُ. قَالَ: اللَّهُمَّ، بَارِكْ لَهُمْ فِي طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ. قَالَ: فَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صلى الله عليه وسلم-: بَرَكَةٌ بِدَعْوَةِ إِبْرَاهِيمَ -صلى الله عليه وسلم-. (١)


(١) البخاري (٣٣٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>