للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو دليل إلزامي للمنكرين أن النسخ لو لم يكن جائزًا عقلًا وواقعًا سمعًا، لما جوزوا أن يأمر الشارع عباده بأمر مؤقت ينتهي بانتهاء وقته لكنهم يجوزون هذا عقلا ويقولون بوقوعه سمعا؛ فليجوزوا هذا؛ لأنه لا معنى للنسخ إلا انتهاء الحكم الأول لميقات معلوم عند الله بيد أنه لم يكن معلوما لنا من قبل ثم أعلمنا الله إياه بالنسخ وهذا ليس بفارق مؤثر.

فقول الشارع مثلًا أول يوم من رمضان صوموا إلى نهاية هذا الشهر مساوٍ لأن يقول أول يوم من رمضان صوموا من غير تقييد بغاية حتى إذا ما انتهى شهر رمضان قال: أول يوم من شوال أفطروا، وهذا الأخير نسخ لا ريب فيه وقد جوز منكروه المثال الأول فليجوزوا هذا المثال الثاني؛ لأنه مساويه والمتساويات يجب أن يتحد حكمهما إلا لما كانا متساويين (١).

الدليل الثالث:

أن الدلالة القاطعة دلت على نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم -، ونبوته لا تصح إلا مع القول بنسخ شرع من قبله فوجب القطع بالنسخ.

قال الزرقاني: إن النسخ لو لم يكن جائزًا عقلًا وواقعًا سمعًا لما ثبتت رسالة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى الناس كافة، لكن رسالته العامة للناس ثابتة بالأدلة القاطعة والبراهين الساطعة التي يطول شرحها؛ إذن فالشرائع السابقة ليست باقية؛ بل هي منسوخة بهذه الشريعة الختامية، وإذن فالنسخ جائز وواقع. أما ملازمة هذا الدليل فنبرهن عليها بأن نسخه لو لم يكن جائزًا وواقعًا؛ لكانت الشرائع الأولى باقية، ولو كانت باقية ما ثبتت رسالته إلى الناس كافة (٢).

الدليل الرابع:

أنه لا يمتنع عقلًا أن يأمر الله بالشيء ثم ينسخ، سواء نسخ قبل الفعل، أو بعده للامتحان والابتلاء، فمن فعل الشيء قبل نسخه، أو عزم على فعله، أو استعد للامتثال، أو ظهرت عليه أي علامة تدل على استعداده لامتثال الأمر قبل أن ينسخ: فإنه يثاب (٣).


(١) مناهل العرفان ٢/ ١٥٨.
(٢) مناهل العرفان ٢/ ١٥٨.
(٣) المهذب في علم أصول الفقه ٢/ ٥٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>