للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدليل الأول: الله تعالى له أن يفعل ما يشاء كما يشاء، وأيضًا اختلاف المصالح باختلاف الأزمنة؛ فلا يكون النسخ ممتنعًا.

قال الآمدي: والدليل على الجواز العقلي؛ العقل والسمع. أما العقل؛ فهو أن المخالف لا يخلو إما أن يكون ممن يوافق على أن الله تعالى له أن يفعل ما يشاء كما يشاء من غير نظر إلى حكمة وغرض، وإما أن يكون ممن يعتبر الحكمة والغرض في أفعاله تعالى؛ فإن كان الأول، فلا يمتنع عليه تعالى أن يأمر بالفعل في وقت، وينهى عنه في وقت، كما أمر بالصيام في نهار رمضان، ونهى عنه في يوم العيد؛ وإن كان الثاني، فمع بطلانه على ما عرفناه في كتب الكلام، فلا يمتنع أن يعلم الله استلزام الأمر بالفعل في وقتٍ معين للمصلحة، واستلزام النهي عنه للمصلحة في وقت آخر، فإنّ المصالح مما يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال حتى إن مصلحة بعض الأشخاص في الغنى أو الصحة أو التكليف، ومصلحة الآخر في نقيضه؛ فكذلك جاز أن تختلف المصلحة باختلاف الأزمان، حتى أن مصلحة بعض أهل الأزمان في المداراة والمساهلة، ومصلحة أهل زمان آخر في الشدة والغلظة عليهم، إلى غير ذلك من الأحوال.

وإذا عرف جواز اختلاف المصلحة باختلاف الأزمان، فلا يمتنع أن يأمر الله تعالى المكلف بالفعل في زمان لعلمه بمصلحته فيه، وينهاه عنه في زمن آخر لعلمه بمصلحته فيه، كما يفعل الطبيب بالمريض، حيث يأمره باستعمال دواء خاص في بعض الأزمنة، وينهاه عنه في زمن آخر بسبب اختلاف مصلحته عند اختلاف مزاجه، وكما يفعل الوالد بولده من التأديب له وضربه في زمان، واللين له والرفق به في زمان آخر على حسب ما يتراءى له من المصلحة. ولهذا خص الشارع كل زمان بعبادة غير عبادة الزمن الآخر، كأوقات الصلوات والحج والصيام، ولولا اختلاف المصالح باختلاف الأزمنة لما كان كذلك.

ومع جواز اختلاف المصالح باختلاف الأزمنة لا يكون النسخ ممتنعًا (١).

الدليل الثاني:


(١) الأحكام للآمدي ٣/ ١٠٧، نواسخ القرآن ٨٠، مناهل العرفان ٢/ ١٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>