للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الطبري: معنى ذلك: وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم يا محمد، وما كان الله معذب المشركين وهم يستغفرون، أي: لو استغفروا. قالوا: ولم يكونوا يستغفرون، فقال جل ثناؤه: إذ لم يكونوا يستغفرون {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ}، ونقل ذلك بسنده عن قتادة، والسدي وابن زيد فقال عن قتادة: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (٣٣)} قال: إن القوم لم يكونوا يستغفرون، ولو كانوا يستغفرون ما عذبوا، وكان بعض أهل العلم يقول: هما أمانان أنزلهما الله فأما أحدهما فمضي نبي الله، وأما الآخر فأبقاه الله رحمة بين أظهركم، الاستغفار والتوبة (١).

فالعذاب لا يتنزل بهم في حالة استغفارهم لو استغفروا، ولا في حالة وجود نبيهم فيهم، لكنه خرج من بين أظهرهم، ولم يستغفروا لكفرهم، ومعلوم أن الحال قيد لعاملها، وصْف لصاحبها، فالاستغفار مثلًا قيد في نفي العذاب، لكنهم لم يأتوا بالقيد، فتقرير المعنى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} لو استغفروا، وبعد انتفاء الأمرين عذبهم بالقتل والأسر يوم بدر (٢).

وقد رجح هذا الوجه ابن جرير الطبري في تفسيره فقال: وأولى هذه الأقوال عندي في ذلك بالصواب قول من قال: تأويله، وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم يا محمد، وبين أظهرهم مقيم، حتى أخرجك من بين أظهرهم؛ لأني لا أهلك قرية وفيها نبيها، وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون من ذنوبهم، وكفرهم، ولكنهم لا يستغفرون من ذلك؛ بل هم مصرون عليه فهم للعذاب مستحقون، كما يقال: ما كنت لأحسن إليك وأنت تسيء إليَّ - يراد بذلك لا أحسن إليك، ولكن أحسن إليك؛ لأنك لا تسيء إلي وكذلك ذلك، ثم قيل: {وَمَا لَهُمْ أَلَّا يُعَذِّبَهُمُ اللَّهُ وَهُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} بمعنى: وما شأنهم وما


(١) تفسير الطبري (٦/ ٢٣٦)، والأثر عن قتادة.
(٢) دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب للشنقيطي (١٠٤)، وانظر تفسير الرازي (١٥/ ١٥٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>