للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والعجيب أنني وجدت القرطبي يذكر أن إسماعيل هو أكبر ولد إبراهيم، وأن أباه قد نقله إلى مكة وكان له سنتان، وأنه ولد قبل أخيه إسحاق (١).

بل والأعجب من ذلك أنني وجدته في تفسير سورة مريم يقول بالنص في قوله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ}: والجمهور أنه إسماعيل الذبيح أبو العرب ابن إبراهيم. وقد قيل: إن الذبيح إسحاق، والأول أظهر على ما تقدم ويأتي في "وَالصَّافَّاتِ" إن شاء الله تعالى (٢).

فالإجماع قائم من أهل الكتاب والمسلمين على أن إسماعيل أكبر من إسحاق، وبناءً على ذلك فإن أول غلام بشر به إبراهيم بعد اعتزاله لقومه أو هجرته لربه هو إسماعيل وليس إسحاق، وأن قوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} ينطبق على إسماعيل.

ونكتفي بالإشارة هنا إلى أن الفاء في {فَبَشَّرْنَاهُ} للتعقيب، والبشارة: الإِخبار بخير وارد عن قرب أو على بعد؛ فإن كان الله بشّر إبراهيم بأنه يولد له ولد أو يوجد له نسل عقب دعائه كما هو الظاهر وهو صريح في سفر التكوين في الإصحاح الخامس عشر فقد أخبره بأنه استجاب له وأنه يهبه ولدًا بعد زمان، فالتعقيب على ظاهره؛ وإن كان الله بشره بغلام بعد ذلك حين حملت منه هاجر جاريته بعد خروجه بمدة طويلة، فالتعقيب نسبي، أي بشرناه حين قدّرنا ذلك أول بشارة بغلام فصار التعقيب آئلًا إلى المبادرة كما يقال: تزوج فولد له؛ وعلى الاحتمالين فالغلام الذي بُشر به هو الولد الأول الذي ولد له وهو إسماعيل لا محالة. وهذا الغلام الذي بشر به إبراهيم هو إسماعيل ابنه البكر وهذا غير الغلام الذي بشره به الملائكة (٣).

والرد على قولهم أن إسحاق وحده هو المبشر به دون إسماعيل:

فإنه يكفي أن تكون هذه الآية {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (١٠١)} كما يقول الآلوسي دليلًا على أنه مبشر به أيضًا لأن قوله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} بعد استيفاء هذه القصة في


(١) الجامع لأحكام القرآن ٢/ ١٤٠.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١١/ ١٢١.
(٣) التحرير والتنوير لابن عاشور ٢٣/ ١٤٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>