للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحليمَ الذي بُشِّر به إبراهيم حين سأله أن يهب له ولدًا صالحًا من الصالحين، فقال: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (١٠٠)} فإذا كان المفدِيّ بالذبح من ابنيه هو المبشر به، وكان الله - تبارك اسمه - قد بين في كتابه أن الذي بُشِّر به هو إسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب، فقال جل ثناؤه: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (٧١)} (هود: ٧١)، وكان في كل موضع من القرآن ذكر تبشيره إياه بولد، فإنما هو معنيّ به إسحاق، كان بيّنا أن تبشيره إياه بقوله: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ} في هذا الموضع نحو سائر أخباره في غيره من آيات القرآن (١).

وبنفس الحجة قاله القرطبي بشيء من التصرف (٢).

فهم يرون أن الخليل عليه السلام قد بشر بالغلام بعد اعتزاله لقومه، وأن هذا الغلام هو إسحاق وليس إسماعيل حسب ما ورد في سورة مريم، وأن هذا الغلام المبشر به هو الذبيح لقوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}، وأن إسحاق فقط هو الذي بشر به دون إسماعيل.

وللرد عليهم وبيان بطلان ما ذهبوا إليه نقول:

فيما يتعلق بتبشير الله سبحانه لإبراهيم بإسحاق عقب الاعتزال كما يزعمون فإن ذلك غير صحيح، حيث إنهم اعتمدوا على ما ورد في سورة مريم {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ .. } (مريم: ٤٩). فلو كان هذا صحيحًا لكان إسحاق أكبر من إسماعيل، وهذا لم يقل به أحد من اليهود والنصارى ولا من المسلمين، اللهم ما ذكره القرطبي فشذ فيه عن الجميع حين قال في تفسيره لقصة الذبيح: قد ذكرنا أولًا ما يدل على أن إسحاق أكبر من إسماعيل (٣).

ولو كان الأمر كما يدعي لأصبح إسحاق هو البكر وأراح اليهود من محاولات التحريف والتبرير التي أحدثوها حتى ينفوا عن إسماعيل أنه بكر، ويسقطوا عنه البكورية.


(١) جامع البيان ٢٣/ ٨٥.
(٢) الجامع لأحكام القرآن ١٥/ ١٠٠.
(٣) الجامع لأحكام القرآن ١٥/ ١١١.

<<  <  ج: ص:  >  >>