للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العاص قال: واللَّه لئن كان أبو بكر وعمر تركا هذا المال وهو يحل لهما منه شيء لقد غبنا ونقص رأيهما وايم اللَّه ما كان مغبونين ولا ناقصي الرأي ولئن كانا امرأين يحرم عليهما هذا المال الذي أصبناه بعدهما لقد هلكنا، وايم اللَّه ما جاء الوهم إلا من قبلنا.

فهذا كان بدء الحديث ومنتهاه، فأعرضوا عن الغاوين، وازجروا العاوين، وعرجوا عن سبيل الناكثين إلى سنن المهتدين وأمسكوا الألسنة عن السابقين إلى الدين وإياكم أن تكونوا يوم القيامة من الهالكين بخصومة أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقد هلك من كان أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- خصمه دعوا ما مضى، فقد قضى اللَّه فيه ما قضى وخذوا لأنفسكم الجد فيما يلزمكم اعتقادًا وعملًا ولا تسترسلوا بألسنتكم فيما لا يعنيكم مع كل ماجن اتخذ الدين هملًا، فإن اللَّه لا يضيع أجر من أحسن عملًا. ورحم اللَّه الربيع بن خثيم فإنه لما قيل له قتل الحسين قال: اقتلوه قالوا: نعم، فقال: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} (الزمر: ٤٦)، ولم يزد على هذا أبدًا فهذا العقل والدين والكف عن أحوال المسلمين، والتسليم لرب العالمين. (١)

وبعد. فإن تلك الخلافات والفتن التي حدثت بين أصحاب النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من قتال فيما بينهم، مع بغي أحدهم على الآخر، وما حصل بينهم بعد ذلك من إصلاح وتحكيم بما يرضي اللَّه -عزَّ وجلَّ-، ثم قبول كل من الطرفين بهذا الحكم، إنما يذكرنا بقول اللَّه تبارك وتعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الحجرات: ٩، ١٠). والحرص على الإصلاح والسعي، وإلى لمّ شعث المسلمين كان رجاء أمير المؤمنين عليّ -رضي اللَّه عنه-، وكذلك البعد عن كل ما يوقع البغضاء والفرقة في نفوس المسلمين، لهذا سعى أمير المؤمنين عليّ -رضي اللَّه عنه- إلى البعد عن كل ما يثير الأحقاد ويفرق الصفوف ومن ذلك: القول السيئ، فنهى من كان في جيشه عن لعن


(١) العواصم من القواصم (١٧٥ - ١٨٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>