للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَدْرُكَ} [هود: ١٢]، وتمام التقرير في هذا الباب أن قوله تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} فافعل كذا وكذا قضية شرطية، والقضية الشرطية لا إشعار فيها البتة بأن الشرط وقع أو لم يقع، ولا بأن الجزاء وقع أو لم يقع، بل ليس فيها إلا بيان أن ماهية ذلك الشرط مستلزمه لماهية ذلك الجزاء فقط.

والدليل على هذا أنك إذا قلت: إن كانت الخمسة زوجًا كانت منقسمة بمتساويين، فهو كلام حق؛ لأن معناه أن كون الخمسة زوجًا يستلزم كونها منقسمة بمتساويين، ثم لا يدل هذا الكلام على أن الخمسة زوج ولا على أنها منقسمة بمتساويين فكذا ها هنا هذه الآية، تدل على أنه لو حصل هذا الشك لكان الواجب فيه هو فعل كذا وكذا، فأما إن كان هذا الشك وقع أو لم يقع، فليس في الآية دلالة عليه.

والفائدة في إنزال هذه الآية على الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن تكثير الدلائل وتقويتها مما يزيد في قوة اليقين وطمأنينة النفس وسكون الصدر، ولهذا السبب أكثر الله في كتابه من تقرير دلائل التوحيد والنبوة (١).

الوجه الخامس: أن المقصود من ذكر هذا الكلام استمالة قلوب الكفار وتقريبهم من قبول الإيمان، وذلك لأنهم طالبوه مرة بعد أخرى، بما يدل على صحة نبوته وكأنهم استحيوا من تلك المعاودات والمطالبات، وذلك الاستحياء صار مانعًا لهم عن قبول الإيمان، فقال تعالى: {فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ} من نبوتك فتمسك بالدلائل القلائل، يعني أولى الناس بأن لا يشك في نبوته هو نفسه، ثم مع هذا إن طلب هو من نفسه دليلًا على نبوته هو نفسه بعد ما سبق من الدلائل الباهرة والبينات القاهرة فإنه ليس فيه عيب، ولا يحصل بسببه نقصان فإذا لم يستقبح منه ذلك في حق نفسه فلأن لا يستقبح من غيره طلب الدلائل كان أولى.

فثبت أن المقصود بهذا الكلام استمالة القوم وإزالة الحياء عنهم في تكثير المناظرات (٢).


(١) تفسير الرازي (١٧/ ١٦١)، فتح البيان (٦/ ١٢٣).
(٢) تفسير الرازي (١٧/ ١٦٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>